دبلوماسية حكومة السوداني: {العراق أولاً}
بغداد: حازم محمد حبيب وهدى العزاوي وحيدر الجابر
منذ اندلاع الأحداث في 7 تشرين الأول 2023 بارتكاب الكيان الصهيوني عدوانه الغاشم على غزة ولبنان وأخيراً على الجمهورية الإسلامية في إيران، تمكنت حكومة محمد شياع السوداني من إدارة التعامل مع الأحداث بدبلوماسية وحكمة عالية، فهي وإن جنبت العراق الوقوع في فخاخ الحرب التي نصبها الصهاينة لتوسيع رقعة الصراع، إلا أن السياسة التي انتهجها السوداني كانت واضحة وصريحة بوقوف العراق إلى جانب الحق الفلسطيني والثبات على المبادئ والقيم العليا المعروفة عن العراق والعراقيين في نصرة القضايا العادلة وعدم التخلي عن المظلومين.
ذرائع صهيونية
مستشار رئيس الوزراء، سبهان الملاجياد، قال في حديث لـ"الصباح": إنه "منذ اللحظة الأولى لاندلاع الصراع بين الكيان الصهيوني وأطراف المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول 2023؛ دعا العراق إلى خيار حصر الصراع، هادفاً من دعوته هذه إلى استثمار هذا الصراع لصالح الحق الفلسطيني - تحديداً - وبنفس الوقت عدم منح الكيان الصهيوني ومن يقف خلفه الذريعة لتوسيع نطاق الحرب إلى مناطق أخرى وخلط الأوراق".
وبيّن، أنه "اليوم؛ وبعد أن تعقدت مجريات الصراع وتوسعت إلى دول أخرى، بدأنا نتلمس رغبة جميع الأطراف المعنية بالعودة إلى موقف العراق الداعي لإنهاء الحرب ووقف حمامات الدم في غزة ولبنان، ودعوة المجتمع الدولي لإدانة جرائم الحرب التي قام بها الكيان الصهيوني، ووضع خارطة الحلول الجذرية لقضية الشعب الفلسطيني في أولويات مجلس الأمن الدولي المعني بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة".
وأشار، إلى أنه "من هذا المنطلق، يتحرك العراق اليوم دبلوماسياً وسياسياً بجميع الاتجاهات ويستثمر علاقاته الدولية الجيدة مع أغلب دول العالم، وكذلك مواقعه التمثيلية في المؤسسات واللجان الدولية وكذلك من خلال اتصالات وتواصل رئيس مجلس الوزراء مع قادة الدول الإقليمية والعالمية والهيئات الدبلوماسية، للضغط باتجاه وقف إطلاق النار وإنضاج الحلول السلمية خاصة في فلسطين و لبنان، وكذلك على صعيد ما حدث أيضاً بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني من ضربات متبادلة، فضلاً عن الاعتداء الأخير الذي حدث فجر السبت ضد الجارة إيران والذي أدانه العراق ببيان واضح ودعا الجميع لأن يكون المحطة الأخيرة في النزاع".
رؤية عراقية
ويرى مختصون ومراقبون للمشهد السياسي، أن سياسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مكّنت من فرض رؤية العراق لآفاق ونهاية الصراع الحالي، وهي قطع الطريق على الإرادة الإجرامية لحكومة الكيان الصهيوني التي تسعى لتوسيع رقعة وساحة الحرب لأغراض وغايات باتت معلومة، وكذلك ضمان حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته
العادلة.
رئيس كتلة "النهج الوطني" وعضو لجنة النزاهة النيابية، النائب أحمد طه الربيعي، قال في حديث لـ"الصباح": إن "التداعيات خطيرة بما يخص العدوان الصهيوني المستمر على فلسطين وبالتحديد على قطاع غزة وكذلك على جنوب لبنان، خاصة بعد محاولة جرِّ العراق والمنطقة إلى حرب لا تعرف نتائجها ومصيرها".
وأضاف، أن "الحكمة تقتضي أن يتعامل العراق بمبدأ التوازن، وهذا ما تعتمده إدارة الدولة الآن، وبنفس الوقت عدم تخلِّيها عن موقفها الإنساني العربي في الدفاع عن الشعوب المظلومة والانتهاكات الإنسانية التي تطال كلا البلدين (فلسطين ولبنان) وهذا الفعل يأتي ضمن دوافع إسلامية وإنسانية وأصالة يتمتع بها العراق، إضافة إلى التزامه بالقوانين والأعراف النافذة بهذا الاتجاه والتي تشير إلى الوقوف ضد التطبيع والاعتداءات التي تطال الأطفال والنساء".
وأكد الربيعي، أن "العراق ما يزال يقف بشكل متوازن؛ وهو وإن كان ضد ما يحدث في المنطقة، إلا أنه يعمل على عدم الانجرار إلى ساحة الحرب، وهذا ما يشير إليه المنطق العقلي والوطني الذي يفترض أن لا يسمح بزجِّ العراق بمثل هكذا أحداث"، مبيناً أن "العراق ما يزال يعاني من ويلات الحروب السابقة ولم يتعاف إلى الآن".
وأشاد في نهاية حديثه بالموقف الذي تديره الحكومة بسياستها الخارجية إزاء ما يحدث إلى الآن، عادّاً أن "هذا الموقف جيد، بمحاولة إبعاد العراق عن أية صراعات داخل المنطقة".
حشد دبلوماسي
في غضون ذلك، دعت لجنة العلاقات الخارجية النيابية، إلى إطلاق حملة دبلوماسية عالمية بقيادة العراق لدعم القضية الفلسطينية والوقوف بوجه التمدد الصهيوني بالمنطقة، فيما أكد مراقبون أهمية تنسيق المواقف مراعاة للظروف الداخلية والخارجية.
ودعا عضو لجنة العلاقات الخارجية النائب مثنى أمين، إلى إطلاق الحملة الدبلوماسية العراقية.
وقال أمين لـ"الصباح": إنه "لا يمكن استمرار هذه العنجهية الصهيونية التي ستكون وبالاً على كل المنطقة" مبيناً "يجب أن تكون هناك أدوار قوية في إطار الدبلوماسية العالمية، حيث يستطيع العراق مع الدول الأخرى الضغط من أجل مواقف أكثر صرامة وقوة تجاه القضية الفلسطينية".
وتابع: أن "انتصار نتنياهو سيكون بداية الخراب للمنطقة، وهزيمته ستكون بداية النهاية للمجازر والاعتداءات، وبداية استقرار المنطقة"، ونبه إلى أن "هذه مسؤولية أمام الدول العربية وفي مقدمتها العراق، لأنه ليس من الدول الخانعة التي انساقت وراء المخطط الصهيوني"، داعياً إلى "حملة دبلوماسية يقودها العراق، بدفع الدول العربية التي لها مواقف جيدة مع القضية الفلسطينية إلى أن تنظم جهودها لإيقاف الحرب".
وانتقد أمين، المواقف الدولية التي لا يرقى بعضها لمستوى الحدث، وأشار إلى "دور العراق الرسالي والقومي والإسلامي وآليات معالجة الأوضاع وكيفية الحفاظ على البقية الباقية من المكتسبات الوطنية"، محذراً من أن "العاصفة الهمجية الصهيونية إذا لم تكسر ولم ندعم أهلنا في غزة فإن الرياح العاتية الإجرامية العبثية ستهبُّ على المنطقة برمَّتها".
من جهته، دعا الأكاديمي والباحث بالشأن السياسي د. حيدر علي، إلى مزيد من التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية. لكسر شوكة الكيان الصهيوني الغاصب.
وقال علي لـ"الصباح": "ترتبط الدبلوماسية العراقية في المرحلة الراهنة وفي ما يخص الأزمة في الشرق الأوسط وتداعيات الحرب في غزة ولبنان بعدة عوامل، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي"، وأضاف أن "العوامل الموضوعية تفرض تأثيرها على الأداء الدبلوماسي العراقي مما يجعله مرتهناً لعناصر ومقاربات التكييف والارتباط بالمواقف والمصالح الإقليمية مع الاحتفاظ بموقف خاص يمثل الإدراك والتوجه العراقي الخاص". وأضاف، "أما العوامل الذاتية فهي تتلخص بأبعاد التاريخ وما يضعه أمام الدبلوماسية العراقية من ارتباط وثيق بقضايا المواجهة مع الكيان الصهيوني وبعد أيديولوجي يتعلق بالرؤية العراقية الذاتية للمواقف من هذا الكيان"، ولفت إلى "البعد السياسي الذي يتجلَّى في المسار الذي اتخذته الدبلوماسية العراقية تجاه الجرائم الصهيونية وتطورات الحرب في غزة والدعم العراقي الرسمي للشعب اللبناني".
من ناحيته، يرى السياسي المستقل عمر الناصر، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تمكَّن بسياسة حكيمة من درء 3 ضربات محتملة للعراق خلال الفترة الماضية.
وقال الناصر في حديث لـ"الصباح": إن "السوداني نجح بإيقاف ثلاث ضربات محتملة على العراق خلال الشهرين الماضيين، ولفت، إلى أن "الهدوء النسبي وعامل الوقت ينبغي استثمارهما بشكل كبير واحترافي لأجل إدامة زخم التفاوض والمبادرات لإيقاف الحرب على لبنان وغزة التي بلغت تكاليف خسائر الكيان الصهيوني فيها أكثر من 73 مليار دولار".
كما أشار الناصر، إلى أن "صنَّاع القرار بلا شك أمامهم مسؤولية تاريخية كبيرة لدرء الخطر والتحديات والحرب المحتملة على العراق".