زين حسين
في هذه الصفحة تستذكر «ثقافية الصباح» شاعراً عراقياً من جيل السبعينات مرّ سريعاً ورحل ولم ينشر كتاباً ولم يوثِّق رحلته الشعرية القصيرة أحد،
عدنان العيسى لم يترك قصائد كثيرة، لكنّ قصائده على قلَّتها لفتت له الأنظار قبل أن يتوارى.
هذه الصفحة دعوة لاستذكاره ومعه سائر الشعراء الذين لمعوا كالبرق وأطفأتهم الأقدار
واحدة من المؤاخذات على المناهج النقديَّة النصية، والتي لا أميل شخصيًّا لتلك النقود التي تتبناها، ليس لأنها تميت المؤلف فقط، بل لأنها تقتل سياقا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا ونفسيا أدى إلى انتاج النص، فمثل هذه المناهج لا قدرة لها على ملاحظة التحولات الثقافية والنصية، ولا تعنيها أسباب ذلك التحول، تذيب وتغيّب كيان المبدع، وتحوله إلى منتج ورقي.
فشاعر مثل عدنان العيسى، كيف نقرأه نصياً من غير أن نفهم السياق الذي استولد الشاعر ونصه؟
ولد الشاعر عدنان العيسى في محافظة ميسان، جنوب العراق، عام 1954، درس في معهد إعداد المعلمين، نشأ وترعرع وهو يتبنى مبادئ السلطة "القومية"، فهو القائل عن نفسه: "إنني أجد في الأحداث القومية قالباً للقصيدة" (مجلة الكلمة، العدد5، 1974)، وبالرغم من التظاهر الأيديولوجي الصريح الذي أعلنه، إلا أننا لم نعثر على تمثلات تلك الأيديولوجيا في شعره، بالرغم من قلة نصوصه التي بين أيدينا.
فنياً؛ شعره يميل إلى الغرائبية والتجريد، والتكثيف على مستوى الشكل والمضمون، فنصوصه أغلبها نصوص قصيرة جداً، كأنه يحملها جمرة في رأسه يريد التخلص منها بسرعة، وأغلبها نصوص ذهنية، تفتقد الترابط أحياناً، وهذا مبرر برأيي، بسبب معاناته من حالات ذهانية، ساهمت في تكوين نصه.
ينتمي الشاعر عدنان العيسى إلى جيل السبعينيات في العراق، فيكاد يكون الشاعر الوحيد الذي لم تصدر له مجموعة شعرية، وشعره متناثر في الصحف والمجلات، وبعض المخطوطات التي يحتفظ بها اصدقاؤه، ومن تلك المخطوطات التي نشرت في مجلة "بيت" التابعة إلى بيت الشعر في بغداد
عام 2012.
ورث الشاعر من عائلته الاصابة بـ "الشيزوفرينيا" وعانى من استفحال مرضه العقلي مع بداية الحرب "العراقية- الإيرانية"، وراح يشتم المباد صدام حسين في الساحات، حتى اعتقلته السلطة وأودعته السجن، وعندما اشتدت المعارك في البصرة، التي حصدت آلاف الأرواح، أصدرت سلطة المباد صدام حسين قراراً يفضي بزج السجناء السياسيين في قلب المعركة، تحوّل عدنان العيسى من سجين سياسي إلى جندي يتقدم المقاتلين في خطوة انتحارية، كمن يبحث عن الخلاص، ونتيجة الجنون في القتال، تمت إصابة إحدى ساقيه وبترها في العام 1984. لم يمت عدنان العيسى لكن أبقى نهاية مصيره مفتوحة، هناك من يقول: إنه توفي بعد سقوط نظام صدام حسين، والآخر، لم يقر بموته، وإنه اختفى ولا أحد يعرف مصيره.
إن الأعراف السائدة في المؤسسات الثقافية في العراق أبوابها موصدة -عمداً في بعض الأحيان- أمام ما حدث ويحدث خارجها، فإنها مؤسسات خاضعة وبلا ذاكرة، يمكن لأي سلطة أن تمتطيها، وديدن الثقافة في العراق التنكر دائماً للمبدعين الحقيقيين الذين يزهدون في البحث عن الأضواء، فحال الشاعر عدنان العيسى يشبه المئات من المطرودين والمستبعدين ممن
تعرضوا لظلم السلطة.
شاعر مثل عدنان العيسى لا يمكن حصر ذكره في مناسبة، فحضوره دائم، لأن شعره غير منشور، فالبحث دائم عن مصيره وشعره، وكلما عثرنا على مخطوطة لشعره، سنرفعها بوجه القدر، علامة تحد ومقاومة، وينبغي الإشارة إلى أن هذه المادة كتبت من غير مناسبة، سوى عثوري على مخطوطة للشاعر عدنان العيسى في أرشيف الصديق الشاعر زعيم النصار، وهو من مجايلي العيسى وصديقه.