أحمد عساف
أقيم في "غاليري آرت هاوس" في دمشق معرض "ظلال بلاد الشام" للفنانة جمانة مرتضى بحضور واسع. المعرض الذي ضم 17 لوحة منفذة بألوان الأكرليك والفحم على القماش استغرق التجهيز له ما يقارب العشرة أشهر. وتقول جمانة مرتضى إن "عنوان المعرض ظلال بلاد الشام، هو مشروع طويل الأمد، ومحاولة لإعادة إحياء الشعور الجمعي، اتجاه ما يحدث والوقوف بوجه العجز، في ظل ما نمر به من أحداث عصيبة احتمالية لاستعادة إحساسي بالانتماء والوجود. ما مر ويمر على بلدي سورية وعلى فلسطين ولبنان، من حروب وويلات، ومن حرائق طالت الحجر والبشر، وحرق الأخضر واليابس.
أردت إظهاره عبر هذه اللوحات، التي تظهر فيها حكايا الحروب بكل انعكاساتها على أرواحنا وأيامنا ومستقبل هذه الأرض التي تتعرض لأبشع أنواع الإجرام والاستلاب، وأردت أن أقول أن للمقاومة حقها المشروع في الدفاع عن أراضيها، وبلادها وعن فلسطين، وعن الجنوب اللبناني".
لقد مرت على هذه الأرض العديد من الظروف الطبيعية منها والبشرية، تلك الأرض الخضراء التي احرقتها النار، وأهلكها الإنسان وأنا شاهدة على احتراقها، وأشعر بالعجز حيال ذلك، كم هي سخية تبقى صامتة، رغم تعرضها للكثير من الصدمات، تعيش تناقضات كما فكرة الحياة والموت، الأخضر والأحمر، وتبقى محتفظة بكل شيء في داخلها بكل أثر وبكل تجربة، ندوب عديدة في أغصانها، وتغيرات جذرية ساهمت في محو ذاكرتها وتحويلها إلى رماد لتتلاشى إلى مساحات من الأبيض والأسود، لكن يبقى أثر اللون بداخلها حاضراً بكل بهاء.
وتضيف مرتضى: في هذه البلاد ألمنا واحد وأوجعانا واحدة، قبل الحرب على بلدي كانت ألواني تميل إلى الحبور، حين اندلعت شرارة الحرب على بلدي، مسخت آخر لوحاتي الملونة، وحولتها إلى الأسود والأبيض، كان الحزن قد طرق بابي لما بدأت الحرب على بلدي، ومع امتداد الحرب على غزة ولبنان، بدأت الحرائق تطال الأرض والبشر، وسعير الحريق يدنو من قلبي ومشاعري حزناً. لاسيما أحداث السابع من تشرين الأول. وتتابع الفنانة بوصفها تعيش في هذا الوقت والمكان: "أشعر أن روحي تنتقل في كل بقعة من البلاد".
اللافت في تجربة مرتضى، في هذا المعرض هو التجريد الحداثوي، الذي نجحت في إيجاد صيغ تجريدية تميل إلى جمالية الحس التعبيري المتماهي، مع كينونة التجريد الحديث، الذاهب بذكاء العارف إلى تعبيرية مبتكرة، كحالة جمالية يقود فيها اللون، إلى وعي ودراية بصرية تقودنا إلى بيت القصيد في حكاية اللوحة.
لقد نجحت مرتضى، في جذب متلقي لوحتها بكل تجلياتها وكينونتها، مثل كيمياء الطبيعة مع حواس البشر، عوالم لونية تبدأ بالأسود والأبيض كحالة تجريدية تعبيرية، عن قسوة ووحشية الحروب، وعن حرائق الأرض التي تحتمل السواد والبياض، ومن ثم الأحمر الذي هو أقصى حالات التعبير عن الثورة والغضب.
على حين أننا سنجد في أعمالها التي رسمتها بتدرجات اللون الأخضر، تمنحها إيحاء تعبيرياً لأشجار تحمل في اخضرارها، انبثاق الأمل من الأرض المحروقة إلى ينبوع الأمل، كذلك ذاك البهاء للون الأزرق المندلق بسخاء متكئ على سواد الحزن الخصيب بوداعة غارقة في الحنين للبلاد التي كانت تسمى بلاداً.
أعمال الفنانة جمانة مرتضى التي تخرجت من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق
عام 2021 قسم الرسم والتصوير،
وشاركت في معارض جماعية عدة، تبدو في هذا المعرض كمراثي شعرية لبلاد تحترق، لكنها كالعنقاء حين تنهض من رمادها وتنبعث من جديد.