نبيه البرجي
اعتدنا، منذ عقود، على الكلام عن رجل "اسرائيل" في البيت الأبيض. متى رجل العرب في البيت الأبيض؟ لعل السؤال الأكثر دقة، والأكثر واقعية، هل كان العرب، في وقت من الأوقات، في رأس أي رئيس أميركي، فيما بدأت الظلال "الإسرائيلية" تظهر في رؤوس الرؤساء الأميركيين منذ أن ظهرت الولايات المتحدة..
حتماً، لسنا ضد اليهود كيهود، حتى وإن قال الجنرال رفاييل ايتان "العربي الجيد هو العربي الميت". اليهود وجدوا عندنا في دواوين الخلفاء، وصولاً إلى الأسواق في القرن العشرين. في العراق، رأيناهم في المجلس النيابي. أول وزير للمالية في أولى حكومات الانتداب (1920) كان اليهودي ساسون حسقيل.
ذاك الوجود بلغ الذروة في البلاط الأندلسي، مع موسى بن ميمون، كما أن هناك يهودا اختاروا الابتعاد عن الخط الحاخامي، في ما دعاه الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا "التنكيل المروع بالنص التوراتي". بين هؤلاء الثلاثة الذين قيل إنهم أمسكوا بالقرن العشرين : كارل ماركس، آلبرت اينشتاين، سيغنمد فرويد !
نعلم كم كان تأثير البيوريتانز (الطهرانيون) الذين تمثلوا في هجرتهم من أنكلترا، في الستينات من القرن السابع عشر، إلى العالم الجديد، خروج العبرانيين من مصر، في تشكيل "الوعي الديني" لدى الأميركيين الذي قال الفرنسي آلكسي دو توكفيل، مؤلف "الديمقراطية في أميركا" (1835 )، أنهم كانوا في حال من "الخواء الايديولوجي"، ليتلقفوا، ميكانيكياً، كل ما يتفوه به البيوريتانز.
الفرنسي ريجيس دوبريه، رفيق تشي غيفارا في غابات بوليفيا، والذي شغل منصب مستشار الرئيس فرنسوا ميتران للشؤون الدولية، كتب، لدى اطلاقه من أحد سجون لاباز، عام 1970، "كنت أتمنى لو إن الأميركيين لم يستوحوا شريعة كاليغولا في صياغة سياساتهم، وانما دستورهم الذي قال المفكر الفرنسي ريمون آرون "ان الله بعث بسبعة أنبياء دفعة واحدة إلى أميركا لوضعه".
بالرغم من ذلك كان جلياً تأثر واضعيه بالمثال التوراتي، لا سيما الرئيس الثالث توماس جيفرسون، الذي طرح فكرة استيحاء رمزا للبلاد من التوراة بدل النسر الأصلع.
في كتابه "بلاد الله"، يذكر صمويل غولدمان أن جون آدامز، أول نائب رئيس، وثاني رئيس، أميركي، بعث، عام 1816، برسالة إلى صديقه اليهودي موردخاي مانويل نويه برسالة أمل فيها أن تكون لليهود دولة يهودية في "اليهودية"، وهي منطقة في فلسطين.
ناحوم غولدمان، أحد آباء "إسرائيل"، والرئيس السابق للمنظمة الصهيونية العالمية، وللمؤتمر اليهودي العالمي، قال "لولا الرئيس (الأميركي) وودرو ويلسون لما كان هناك وعد بلفور".
الموقف الصارخ لهاري ترومان الذي اعترف بالدولة العبرية بعد ربع ساعة من اعلان قيامها. قال، بحسب ما أورد جون جوريس في كتابه "التكوين، اليهود الأميركيون واسس الصراع العربي ـ الاسرائيلي "، "إن المسيح حين كان على الأرض لم يستطع ارضاءهم (أي اليهود)، كيف لأحد أن يتوقع أن تكون لي هذه الفرصة ؟". ترومان صرخ "أنا قوروش، أنا قوروش"، في اشارة إلى الأمبراطور الفارسي الذي أنهى السبي البابلي..
ولكن متى كان للتاريخ أن يمشي بأجنحة الملائكة؟ غداة انعقاد المؤتمر اليهودي العالمي في فندق بلتيمور في نيويورك، عام 1942، تلكأ الرئيس فرنكلين روزفلت في استقبال وفد من المؤتمر لينقل اليه المقررات، وليطلب منه قصف خطوط السكك الحديدية، التي يستعملها النازيون لنقل اليهود إلى معسسكر أوشويتز. كما أن الرئيس جون كنيدي قرر ايفاد بعثة تفتيش إلى الكيان الصهيوني للكشف عن برنامجه النووي، ما كان دافع بعض الشائعات حول دور للموساد في اغتياله في 22 تشرين الثاني 1963 .
الآن، على بعد ساعات، من الثلاثاء الكبير، من ينتخب العرب الأميركيون، كامالا هاريس أم دونالد ترامب؟ الأنظار على ولاية ميتشيغان (الولاية العربية)، التي تصنّف بين الولايات المتأرجحة. المشهد ضبابي، والمواقف ضبابية. غضب على جو بايدن، ونائبته، بسبب دعم نتنياهو في المضي في استراتيجية الابادة التي لم تكن لتحصل لولا القنابل الأميركية، ان في غزة التي تحولت إلى مقبرة (مقبرة في العراء)، أو في جنوب لبنان، بل في أرجاء لبنان، وحيث البحث عن بابلو بيكاسو العربي ليرسم هذه الغرنيكا اللبنانية. أيضاً عن هوميروس العربي ليكتب الالياذة اللبنانية، وحيث الأداء الأسطوري للمقاومة.
هاريس لا تمتلك أي رؤية لمقاربة الوضع الأبوكاليبتي في الشرق الأوسط، ان على المستوى الدبلوماسي أو على المستوى الاستراتيجي. وهذه حال الرؤساء الأميركيين منذ ليندون جونسون (حرب حزيران 1967 ) وحتى جو بايدن كما لو أن الابقاء على أوديسه الدم في المنطقة حلقة أخرى من ذلك السيناريو الخاص بتوظيف الصراعات على أنواعها في لعبة المصالح.
من الآن، كوننا نزلاء على الكرة الأرضية، بدأنا نشعر بالدوار سواء وصلت كامالا هاريس أم عاد دونالد ترامب!...