الذهب.. معدنُ الملوك ووجهةُ المستثمرين
فجر محمد
تصوير: علي قاسم
في مقبرة (بو آبي) الملكية السومرية، كان هناك معدن ثمين يلمع، ويشع تحت أشعة الشمس أثار فضول وإعجاب الباحثين، لا سيما البريطاني السير ليوناردو وولي، الذي أشرف على الحملة، تبين لاحقا أن هذا المعدن هو الذهب، الذي ظهر أنه يزين تيجان الملكات ويدخل بمختلف المصوغات والمجوهرات، ولمختلف أمراء وملوك سومر. مما يعني أن السومريين كانوا يهتمون بتلك المصوغات الذهبية، بل وتثير إعجابهم، وهكذا امتلك سكان بلاد الرافدين منذ ذلك الوقت ولغاية الآن، اهتماما كبيرا وواسعا بهذا المعدن الثمين، ولم يقتصر الأمر عليهم وحسب بل في اغلب دول العالم، امتلك هذا المعدن أهمية وحضورا كبيرا.
لا تكاد تخلو المناسبات الاجتماعية من ظهور وتألق هذا المعدن الثمين، فهو محط أنظار النساء بمختلف أعمارهن، إذ من الممكن أن تلتقي بسيدة ترتدي أكثر من قطعة ذهبية ومصوغات متنوعة عاكسة شغفها وحبها لاقتناء هذا المعدن المهم والغالي الثمن.
المعدن الأصفر
وتشعر سرى حيدر بالسعادة كلما اقتنت قطعة ذهبية، فهي ترتبط بعلاقة وثيقة بهذا المعدن منذ طفولتها وتقول سرى: "في أسرتي هناك ارتباط قوي بالذهب، لأن اقتناءه يشعرنا بالسعادة والطمأنينة في آن واحد". ولكن هذا الشعور تحول اليوم إلى قلق بسبب ارتفاع أسعار الذهب غير المعقولة.
يشير الباحث بالشؤون الاجتماعية ولي الخفاجي إلى أن النقدين الفضة والذهب، اللذين اعتمدت عليهما المجتمعات العربية بشكل عام والإسلامي خصوصا، وأخذت جوانب الخمس والزكاة تعتمد عليهما أيضا، لا يعدان فقط مواد ثابتة ولها قيمة محددة في ظل ارتفاع السوق والعرض والطلب، أو جانبا اقتصاديا مهما، بل كذلك اجتماعي، إذ يتصرف الكثير من مقتني الذهب بشيء من التباهي والفخر أمام الناس، وللذهب أهمية خاصة في المجتمعات العربية، خصوصا في ما يتعلق بالمهور والهدايا الخاصة بين المتزوجين، إذ يسعى الخطاب عند تقدمهم للزواج إلى إهداء عدد كبير من الهدايا وأثمنها الذهب لخطيباتهم، وهو أساسي بالنسبة للعديد من النساء، إذ يتعاملن مع هذا المعدن بمثابة ضمان مهم، وقطع فريدة ومهمة لا بد من امتلاكها.
ويلفت الخفاجي إلى أن "ارتفاع أسعار الذهب بالتأكيد سيؤثر في فئات مختلفة من المجتمع، لا سيما الشباب المقدمين على للزواج ويعد بمثابة عقبة كبيرة، أمام اختيارهم لشريكة الحياة وتأسيس منزل الزوجية، ولذلك ترفض الكثير من الأسر التنازل عن هذا المعدن النفيس ويعتبرونه بمثابة مقارنات بينهم مما يدفع الشباب إلى القروض والديون".
ويدعو الخفاجي إلى ضرورة إعادة نظر بهذه القضايا واستبدال الذهب بهدايا أخرى ومراعاة الشباب المقبلين على الزواج.
تقلباتٌ اقتصاديَّة
تشير التقارير والدراسات إلى تعرض الذهب إلى تقلبات اقتصادية كبيرة، خصوصا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إذ اتجه الاستثمار نحوه بشكل واضح، وشهدت أسعاره ارتفاعا كبيرا وإن حصل انخفاض فليس بالمستوى المطلوب، فهو يأخذ بالارتفاع بشكل واضح لأن اغلب المستثمرين في العالم، اتجهوا نحوه لكونه الاستثمار الأكثر أمانا، يضاف إلى ذلك تدهور العملات المحلية في عدد كبير من البلدان.
وتشير الإحصاءات إن هناك تزايدا في الاستيراد المحلي الشهري للذهب، إذ يصل في أحيان كثيرة إلى اكثر من 7 أطنان، وتتراوح الرسوم الجمركية 250 دولارا لكل كيلو غرام بحسب تلك الإحصاءات، وفي وقت سابق أشار موقع بلومبيرغ أن العراق اشترى اكثر من 33 طنا من الذهب خلال العام 2022.
وكشفت الإحصاءات عن أن العراق احتل المرتبة التاسعة عالميا، ضمن اكثر من 10 دول شراء للمعدن الثمين، إذ يتم تحويل تلك الاحتياطات النقدية الأجنبية إلى ذهب في العام الحالي.
وذكرت التقارير والدراسات أن بريطانيا كانت من أوائل الدول، التي ابتكرت قاعدة الذهب (أي أن له دورا مهما في النظام النقدي الدولي) في العام 1821.
وقبل ذلك التاريخ، كانت الفضة هي المعدن النقدي الرئيس في التعاملات على مستوى العالم. ثم بعد أثر من50عاما وتحديدا في سبعينيات القرن التاسع عشر، تم اتباع هذا النظام من قبل عدد من البلدان، منها فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها. ولذلك كان من بين أسباب انتشار الذهب في أميركا الشمالية هو اكتشاف كميات هائلة من هذا المعدن الثمين، ولذلك اصبح متاحا بشكل كبير، وبموجب تلك القاعدة، كان يتم بيع وشراء بكميات غير محدودة، ويعتقد أن احتياطي الذهب يمثل عنصرا مهما وضروريا في استقرار الاقتصاد والعملة الوطنية، كما أنه حل جيد عندما تتعرض البلدان إلى أزمات مالية بمقدورها أن تدعم السياسات النقدية والمالية وتمول المشاريع الحكومية، وبفضل الدور الحيوي للذهب، تسعى العديد من الدول لزيادة احتياطي الذهب لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي على المدى الطويل.
تأرجح الأسعار
كانت قطع الذهب المتنوعة، تتوزع في رفوف مرتبة ومنسقة بشكل منظم داخل محل الصائغ أبو يوسف، الذي يبين أن أسعار القطع تتأرجح وتتغير، وفق نظام البورصة العالمية، إذ لا توجد قيمة ثابتة ومحددة لهذا المعدن الثمين.
ويشير أبو يوسف إلى أنه مهما ارتفعت أسعار الذهب يظل له مقتنون في كل زمان ومكان، وبينما هو يرتب قطع مختلفة يقول: "ورثت مهنة الصياغة من والدي وأجدادي، ومهما مرت ظروف مختلفة وصعبة، يظل عدد كبير من أفراد المجتمع يفضلونه ويشعرون بالسعادة لاقتنائه".
يذكر أن الذهب يرتبط بشكل كبير بالاقتصاد العالمي، الذي بدوره يتأثر بالأحداث السياسية والاقتصادية في العالم.
من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي، إلى أن هناك ارتفاعا واضحا بأسعار الذهب، نتيجة الاضطرابات والاختلالات الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم، بسبب الحروب وعدم الاستقرار السياسي، لذلك زاد استثمار هذا المعدن النفيس، ولأن بورصة المعادن تختلف كليا عن النفط، لهذا فإن هذا المعدن له أهميته الخاصة، ومن الجدير بالذكر أن بورصة الذهب ليست نشطة بشكل كبير محليا، وإنما فقط لأغراض الاستخدام والانتقاءات الشخصية.
تجارةٌ رابحة
يعتقد الكثيرون أن تجارة الذهب لطالما كانت رابحة فهي ملاذ امن، ولا يمكن أن يفقد هذا المعدن النفيس قيمته وان انخفضت الأسعار قليلا.
ويرى الباحث والأكاديمي الدكتور رياض مالك محسن، أن ارتفاع أسعار الذهب في العراق، هو نتيجة حتمية لعدم الاستقرار الحاصل في الكثير من دول العالم، والذي يلقي بظلاله أيضا على البلاد، فضلا عن التعثر الذي شهدته السياسات الاقتصادية للبلاد في الآونة الاخيرة، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الذهب، الأمر الذي يجده الدكتور رياض ملاذا آمنا خصوصا للمضاربين، في ظل التغير الحاصل بارتفاع أسعار الدولار، الذي من المتوقع أن يشهد انخفاضا في الفترة المقبلة.
ويشير محسن إلى أن الإحصاءات والمؤشرات سجلت ارتفاعا ملحوظا في أسعار الذهب، بنسبة تصل إلى 19بالمئة في الأشهر الماضية، خصوصا أن قيمة الذهب الخام تحدد وفق تقلبات البورصة العالمية التي غالبا ما تكون غير محددة وليست ثابتة، لعدم ثبات قيمة الأونصة العالمية كذلك التوترات الجيوسياسية في العالم، لهذا يعد الذهب من الأصول الآمنة التي يتجه المستثمرون اليها، وذلك لأنه يوفر الحماية من مخاطر عدم استقرار الأسواق المحلية.
ويلفت إلى أن هذا الارتفاع سيؤثر في الاقتصاد المحلي، نظرا لأن القدرة الشرائية للمواطن محدودة، مع غياب المشاريع المختلفة التي من شأنها أن تشغل الشباب وتوفر فرص عمل متنوعة لهم ووفق الاختصاصات المختلفة، وهذا كله سينعكس على المهور المقدمة والراغبين بالزواج، مما يشجعهم على العزوف عن الارتباط .