المؤسسات الاقتصاديَّة تخطف جائزة نوبل

آراء 2024/11/04
...

 د. حامد رحيم جناني 


لم تكن جائزة نوبل هي البوصلة التي دلت على أهمية دور المؤسسات في النشاط الاقتصادي، بل تلك الجائزة وجدت ضالتها عندما حطت رحالها عند الباحثين الثلاثة حملة الجنسية الامريكية الذين تطرقوا إلى دور المؤسسات المجتمعية والقانونية في الاقتصاد، الجهد البحثي لهم كان يبحث في مشكلة كبيرة وجدلية إلى حد كبير وهي "انعدام المساواة في توزيع الثروات بين الدول".

تحديد العلاقة بين المتغيرات الاقتصادية ومستوى الارتباط بينها يعد صميم البحث العلمي الاقتصادي، لذلك فان أهمية هذه الدراسات تكمن في الكشف عن العلاقة بين "الازدهار الاقتصادي والمؤسسات" هذه المعادلة المفسرة إلى حد ما سبب المشكلة آنفة الذكر، ومن ثم فهي تجيب عن جوانب من السؤال القديم الجديد، لماذا تحقق بعض الدول مستويات نمو اقتصادي متدنية؟

المؤسسات هي المنطلق لإدارة شؤون الحياة في الدولة الحديثة، ولا جدل في ذلك، ومحاولات صناعة (نسخ) لا تتطابق من حيث الأهمية والفاعلية من جانب التأثير والادارة، تماشيا مع واقع الحال ومتطلبات الحداثة، لن تجد نفعا، لذلك نمر على مؤسسات تعمل بكلف عالية ولا اثر لها في تنمية شعوبها، وهذا مضمون ما يثيره (عجم أوغلو) احد الباحثين وغيرها من التفاصيل في معرض الإجابة عن سؤال محوري مفاده "لماذا تفشل الأمم".

البنوك المركزية ودوائر الضريبة والجهاز المصرفي والخزانة ومؤسسات التحويل المالي ومؤسسات الرقابة ومؤسسات التأمين وغيرها، الضامن لتحقيق اقتصاد مزدهر مع وجود الدعم السياسي والقضائي، الحدث التنموي لا يمكن تحقيقه في ظل مؤسسات صورية لا تؤثر في مجريات الاحداث، وان كانت عناوينها براقة، الفاعلية والكفاءة شرطان يجب توافرهما في المؤسسات.

أشاد القائمون على جائزة نوبل بالباحثين الثلاثة لشرحهم أسباب "عدم قدرة المجتمعات التي تعاني من ضعف سيادة القانون والمؤسسات من تحقيق نمو اقتصادي متراكم" وهي محطة بحثية تستحق الإشادة فالقانون وقرينه المؤسسات لا ينفكان ابدا في عملية إدارة المتغيرات الاقتصادية ودفعها لتكون ذات فرق إيجابي مع تقدم الزمن، القانون الذي يحقق الاستقرار ويفض النزاعات ويحقق الامن ويقدم قواعد الحقوق والواجبات على الافراد والمؤسسات، اقترانه بمؤسسات كفوءة وفاعلة هما من يقدمان تفسيرا بنسبة عالية "لعدم المساواة في توزيع الثروات بين الدول" هذا ما ذهبت اليه الدراسات للباحثين الثلاثة.

ان تشخيص المشكلة، بداية الحل، هكذا يقال، ووفق ما تضمنته الدراسات الحاصلة على جائزة نوبل، والتي اشير لها باختصار وبالتركيز على العناوين الأساسية المتمثلة بدور المؤسسات وسيادة القانون على صناعة الفارق الاقتصادي التنموي بين الدول، فالعراق بوصلة التنمية فيه تتمثل بتقوية وتعزيز دور المؤسسات وسيادة القانون، شرطان ضروريان وليسا كافيين لتحقيق التنمية، عبثا كل الجهود التي تحاول الالتفات إلى هذه الحقيقة وغض النظر عنها، الفشل المؤسساتي المرصود بالمؤشرات الدولية (مؤشر الدولة الهشة ومؤشر مدركات الفساد)، لا يقوم معها أي جهد تنموي يحقق القدرة على بلوغ التجارب الدولية التنموية الناجحة، ان تتم عمليات الجهد الخدمي وانشاء بعض الأبنية التابعة لوزارة التربية والبلديات والاشغال والطرق والجسور وغيرها بشكل مباشر ومن قمة الهرم في السلطة مع دور شكلي ضعيف للوزارات والمؤسسات صاحبة العلاقة، هذا امر لا يمكن اعتباره نجاحا مستداما لأنه جهد يمكن اعتباره مرهوناً بزمان محدد قد يتغير كل شيء ونعود إلى السكون من جديد مع أي تغيير سياسي محتمل.