د. أثير ناظم الجاسور
إما اليوم فلا نسمع عن هذه التنظيمات وما هو دورها، سواء في سوريا أو غيرها من المناطق لأنهم منشغلون مع كيانهم في الحرب في كل من غزة ولبنان، لكن الفكرة الأساس هنا تكمن في أن عمليًا أمريكا لا تنفك أن تعمل على تنشيط هذه الجماعات مرة أخرى في كل من سوريا والعراق في سبيل فصل الجبهات عن بعضها
في العام 1979 عندما احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان، لم تكن أمريكا قادرة على مجابهته بشكل مباشر بعد أن اتخذت استراتيجية الحرب بالإنابة كمنهج لخوض حروبها في مناطق ليس لها ولإضعاف خصومها وأعدائها، من ثم ساهمت حتى تنهك خصمها وعدوها الأول آنذاك الاتحاد السوفيتي باستخدام ورقة الجماعات الإسلامية المُحاربة للشيوعية لاختلاف الايديولوجيتين، حيث إنهما لا تلتقيان على الإطلاق، بالتالي أسست لما أسمتهم في تلك المرحلة بمقاتلي الحرية لمواجهة السوفييت، فكان للمدارس الدينية والجماعات الجهادية نصيب بالاهتمام الأمريكي من حيث التمويل والتدريب والتسليح ضمن ايديولوجيا تكفيرية ترفض الألوان الأخرى حتى المسلمة، التي تشترك معها بذات الدين وحتى ذات المذهب، ومن ثم أطلق على هذه الجماعات تسمية مليشيات ريغان بعد أن تمت استضافتهم في البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي ريغان والسماع لمطالبهم، وما من الممكن توفيره لهم في تلك المرحلة المهمة من عمر الحرب الباردة، وتم على أساس ذلك تشكيل التنظيم الأكثر خطرًا ورعبًا وتطرفًا الذي بات يعرف باسم تنظيم القاعدة، الذي بشكل أو بآخر وبعد سنوات بات العدو الأول ووضع ضمن الأولويات الاستراتيجية الأمريكية للقضاء عليه بعد أن تم تجهيزه من قبلهم.
لم تكن الا مسألة وقت، حتى أصبح هذا التنظيم ممثلا ضمن المنطلق الفكري الاستراتيجي الأمريكي الإطار العام للعدو التالي بعد الاتحاد السوفيتي، ووفقًا للجانب النظري والتنظيري الأمريكي صدقت اطروحة صدام الحضارات، ليمثل هذا التنظيم العدو الإسلامي المُهدد للحضارة الغربية حضارة القيم والحريات وحقوق الانسان، لكن هذا الابن البار الذي ساعد في تعجيل الضعف السوفيتي والحجة التي خلقت عدوًا جديدًا لأمريكا للبقاء بالتمدد والتوسع والتدخل أصابها في مقتل عام ٢٠٠١ منفذًا أكبر واخطر العمليات، التي هددت الداخل الأمريكي وزعزعت استقرارها هذا إذا ما افترضنا أن الأمريكان لم يكونوا على علم بذلك، لكن هل انفك عقد التحالف بينهم ظاهريًا؟ الجواب نعم، لكن عمليًا وتحت الطاولة استمر العمل بمسمى آخر عُرف بأجيال القاعدة أو أجيال الحركات الإرهابية التي لابد من محاربتها بالضرورة، وما هي إلا أعوام حتى عززت الجماعات قدراتها ولملمت شتاتها تحت مسميات تعطي انطباعات للتوسع ونشر الأفكار لخلق دولة ظاهريًا أيضا إسلامية لكن هذه الدولة رافضة لكل الألوان أيضا لا ترغب بالتلاقح إلا مع شبيهاتها، المفارقة وهم (الامريكان) يحاربون هذه الجماعات تحت مسمى الحرب على الإرهاب نجد أن حلفاءها المهمين والاساسيين داعمين وبشكل واضح لهذه الجماعات، إذا لم نقل إنها المنطلق لها، وما إن جاءت عصابات داعش الإرهابية، حتى يحيلنا التفكير إلى الكيفية التي عملت بها أمريكا لتقوية وتعزيز مكانة هذا التنظيم، والمشاهد كانت واضحة كيف كانت تمولهم من خلال الطائرات وهي تلقي عليهم السلاح والعتاد والمؤن في سبيل ديمومة الحرب وتحقيق اكبر قدر ممكن من المنفعة، سواء ببيع السلاح أو الهيمنة على المناطق بحجة حمايتها من خطر هذه الجماعات.
إما اليوم فلا نسمع عن هذه التنظيمات وما هو دورها، سواء في سوريا أو غيرها من المناطق لأنهم منشغلون مع كيانهم في الحرب في كل من غزة ولبنان، لكن الفكرة الأساس هنا تكمن في أن عمليًا أمريكا لا تنفك أن تعمل على تنشيط هذه الجماعات مرة أخرى في كل من سوريا والعراق في سبيل فصل الجبهات عن بعضها، بعد أن تم الارتباط بشكل واضح منذ البدء بالحرب على لبنان، بالتالي فإن القدرة المجتمعة هذه تُهدد كل من الكيان الصهيوني من جهة ومصالح أمريكا من جهةٍ اخرى، من ثم ستلجأ كل من أمريكا وكيانها على عزل المناطق ومشاغلتهم بظهور هذه الجماعات مجددًا مما تساعد على إرباك الأوضاع الداخلية للعراق وسوريا بالدرجة الأساس، على الرغم من أن الأخيرة لا تزال غير مسيطرة على كامل الأرض وهذا نقطة غير طبيعية في هكذا حرب، هذه الحالة بالضرورة ستربك كل القوى الرافضة للكيان الصهيوني والمشاريع الامريكية، التي ستستثمر العامل الايديولوجي والفكري بمساعدة بعض الدول العربية من حلفائها، من هنا يتم عزل الجبهات (العراق - سوريا - ايران) من جهة و(حزب الله وحماس) من جهة أخرى، هذا العزل يساعد على أضعاف زخم الحرب ضد الكيان مما يسهم في أضعاف كل الجبهات، لأن الكيان وأمريكا سينفردون بلبنان وغزة من جهة وبشكل مباشر، ومن جهة أخرى ستنفذ الجماعات المتطرفة الإرهابية أجندة الكيان وأمريكا بإشغال القوى، التي من الممكن أن تشكل جبهة إسناد لمحاربة الكيان الصهيوني، بهذه الحالة ستعمل أمريكا والجماعات من خارج الحدود وداخلها بمشاغلة الإسناد وتطويق الحدود الفاصلة بين قوى مقاومة الكيان الصهيوني، وعمل بهذه الكيفية خطر للغاية على مستقبل المنطقة اذا لم تتطور أساليب العمل الموحدة لمواجهة هكذا مخططات.
بالمحصلة ستخلق أمريكا وكيانها ذات الحرب الأيديولوجية، التي خلقتها ضد الاتحاد السوفيتي لكن بصيغٍ أخرى مختلفة هذه المرة تتعدى إخراج خصم من منطقة لغرض الهيمنة على النفط أو محاصرة هذا الخصم أو ذاك، بل هو لتحقيق الحلم الصهيوني بالدرجة الأساس وخلق دولة أكبر من خلال استقطاع أكبر قدر ممكن من الأراضي العربية واضعاف كل من يقف بوجه الاجرام والمشاريع الصهيونية، ستستخدم أدواتها العربية وغير العربية وستدعمها فتاوى التكفير والاقصاء والهدف بالنتيجة واحد، وعليه احذروا الاسترخاء وأعدوا عدتكم ولا تأمنوا، فالعدو هذه المرة أذرعه كثيرة ومؤثرة وتقاتل معه في كل الجبهات الأعلام والشارع والبيوت والأشخاص وفي كل مكان قد يخطر في العقل وقد لا يخطر.