سالم مشكور
من يتابع الإعلام العربي المرئي منه والمسموع، سيعرف عن الانتخابات الأميركية والمرشحين، ربما أكثر من غالبية الأميركيين لكثافة الاهتمام بهذه الانتخابات وتغطيتها المكثفة قبل أسبوع من إجرائها. الإعلام العربي يترجم مدى الاهتمام العربي الرسمي بنتائج انتخابات الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. كلهم يترقبون من سيكون الرئيس الأميركي القادم، ليروا كيف ستكون سياسة واشنطن الشرق أوسطية. ليس العرب والمسلمون وحدهم يتابعون بل كل العالم مهتم، بسبب الدور الكبير الذي تلعبه السياسة الأميركية في مناطق عدة في العالم، ربما في مقدمتها منطقة الشرق الأوسط، فإن دول هذه المنطقة تنقسم أيضا في ترقبها لنتائج الانتخابات بين فريق راغب بفوز دونالد ترامب، وآخر يؤيد بقاء الحزب الديمقراطي ممثلاً بالمرشحة كمالا هاريس في الإدارة الأميركية. الفريق الأول تمثله الحكومات العربية المطبعة مع الكيان، وتلك التي في طريقها إلى ذلك، فيما يرى الفريق الآخر أن هاريس ستكون أفضل في سياساتها الخارجية، خصوصا موضوع الحرب في غزة ولبنان، من منافسها ترامب، بعد تصريحات أعربت فيها عن أنها لا تمثل امتداداً لسياسة بايدن، الذي دعم طوال عام من حرب غزة ولبنان، إسرائيل بالسلاح الفتاك، الذي يقتل المدنيين ويدمر بيوتهم. في المقابل يرى هؤلاء أن ترامب ليس أفضل حالٍ من منافسته رغم أنه يتحدث عن نيته إيقاف الحرب اذا ما عاد إلى البيت الأبيض وانه مع السلام. هذا كلام عام وغير صادق بدليل أن رئيس وزراء الكيان يدعمه ضد بايدن، لعلمه أنه أكثر خدمة له من خلال صهر ترامب الإسرائيلي جاريد كوشنير.
انقسام الأنظمة العربية والإسلامية في تفضيلها هوية الرئيس الأميركي المفضل يقابله انقسام في العرب والمسلمين داخل أميركا، بذات الأسباب السالفة مضافا اليها أسباب تتعلق بالأداء الداخلي للحزبين. دعم الإدارة الأميركية لعملية الإبادة الجماعية في غزة ولبنان يعد عاملا رئيسيا في الابتعاد عن الحزب الديمقراطي، الذي اعتاد على كسب أصوات العرب والمسلمين. السبب الثاني هو دعم الديمقراطيين لموجة المثلية وتغيير الجنس، التي أثارت الرعب لدى العرب والمسلمين في الولايات، خصوصا بعد أن بدأت مدارسها إدخاله في المقررات الدراسية. من هنا فإن أكثر العرب والمسلمين اتخذوا موقف الضدّ من مرشحة الديمقراطيين، التي صبّت هي الأخرى الزيت على نارهم ضدها عندما تجاهلتهم في تجمعاتها الانتخابية في الولايات، التي يشكلون فيها كتلا كبيرة. تضم جبهة معارضي الديمقراطيين الآن عرباً ومسلمين كانوا كوادر في الحزب الديمقراطي إلى ما قبل شهور، لكن كثيرا منهم انتقل- في موقف عاطفي- إلى دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب وسط دهشة العرب والمسلمين، الذين اشتركوا في هجر الديمقراطيين، لكنهم لم يروا في ترامب بديلا أفضل. فهو الذي اعترف بضم الجولان إلى الكيان المحتل ونقل سفارة بلاده إلى القدس. يكفي أن صهره الإسرائيلي جاريد كوشنر، هو الذي يتحكم بكثير من شؤونه. خلاصة موقف العرب والمسلمين هو ابتعاد غالبيتهم عن الديمقراطي واتجاه بعضهم إلى مرشح الحزب الجمهوري، لكن الغالبية توزعت بين انتخاب المرشحة الثالثة زعيمة حزب الخضر جيل ستاين -التي تعارض الحرب وتدعو إلى وقف تزويد أوكرانيا الكيان المحتل بالسلاح- والامتناع عن التصويت لأي مرشح.
يبقى مصير الانتخابات عصياً على التخمين، حتى للمحللين والمراقبين الاميركيين، فاشتداد المنافسة خلال الأيام التي سبقت الانتخابات رافقه اندفاع 70 مليون ناخب من مجموع 244 مليون باتجاه صناديق الاقتراع المبكر في طوابير طويلة، وهذه المرة من مؤيدي كلا الحزبين، خلافا للمرات السابقة التي كان ناخبو الحزب الديمقراطي أكثر استعجالا في الانتخاب. تبقى فئة كبيرة ممن يسمون بالمترددين الذين تأخروا في حسم خياراتهم، فيما تبقى الولايات السبع المعروفة بـ"المتأرجحة" هي التي تحدد من سيدخل البيت الابيض وسط قلق من تكرار تمرد جماعة ترامب في حال عدم فوزه كما فعلوا يوم 6 كانون الثاني 2021 عندما هاجموا مبنى الكونغرس واشتبكوا مع الحرس مما أدى إلى سقوط ضحايا.
هذه المرة يتوقع الاميركيون أن لا يجري اعلان الرئيس بعد انتهاء التصويت بل قد يطول هذه المرة بسبب بعض الولايات المتأرجحة، وهو ما قد يفتح باب الاعتراض على النتائج وتصاعد الاتهامات بالتزوير.