من الصحافة إلى الموسيقى.. رحلة بين الكلمات والألحان

منصة 2024/11/05
...

 فرنسا: غيث طلال

يقف الصحفي العراقي مهدي العبودي على هامش الحياة المهنية، ينظر إلى الأيام التي قضاها في الصحافة، حيث كانت الكلمات هي سلاحه والصحف ميدانه كل صباح كان يستيقظ وفي قلبه شغف لرصد تفاصيل الحياة اليومية، تحويل الأحداث إلى مقالات، وترجمة أحوال الناس إلى حروف تنبض بالحقيقة.
لم يكن الصحفيّ مجرد كاتب، بل كان ناقلًا للقصص، شاهداً على الزمن وناطقًا باسم المجهولين. لكن، ومع مرور الوقت، بدأ يشعر بأن شيئاً ما ينقصه، كأن الكلمات لم تعد تكفيه، ولم تعد تتحدث بلغة روحه، بدأ يشعر بأن الصحافة، رغم قدرتها على الإخبار، إلا أنها لم تعد تعزف على الأوتار الداخلية لنفسه، كانت هناك نغمة خامدة بداخله، لحن لم يعزفه بعد، وكان يدرك أن هذا اللحن لن يخرج إلا إن ابتعد عن الصفحات وأمسك بأوتار العود. كانت الموسيقى بالنسبة له عالماً من الألوان التي لا تُكتب، شعوراً لا يمكن وصفه، بل يُعاش
ويُعزف.
في لحظة هادئة، وبين ضجيج الأحداث التي كانت تحيط به في غرف التحرير، قرر أن يترك القلم جانباً ويغمس أصابعه في عالم آخر، عالم الألحان والنغمات. كانت تلك الخطوة تشبه المغامرة؛ ترك الصحافة، التي كانت لأكثر من عقد من الزمن بيته، لم يكن قرارًا سهلًا. لكنها كانت ضرورة، كما لو أن قدره كان ينتظره في تلك النغمات العميقة التي تلامس القلوب بصدق أكبر مما تفعله الكلمات.
مهدي العبودي تحدث لـ«الصباح» عن مشواره في عالم الصحافة والإعلام قائلا: البدايات كانت في الصحف المحلية ومن ثم الإذاعات وصولا إلى الفضائيات هكذا بدأت عام 2003 مع صحيفة طريق الشعب مع الاستاذ مفيد الجزائري الذي علمني طرائق العمل الصحفي وأنا في أولى خطواتي المهنية وبعدها انتقلت للعمل في إحدى الإذاعات المحلية، ومن ثم إحدى الفضائيات قبل أن يستقر بي الحال في المهجر والذي لم ابتعد فيه كثيرا عن الأضواء، حيث أقدمت ومجموعة من المغتربين العرب على تأسيس فرقة موسيقية عربية فرنسية في مدينة نيس حيث أقيم، هدفها نقل الثقافة الموسيقية العربية والعراقية على وجه الخصوص إلى المتلقي الأوروبي .
وأضاف «هناك العديد من الفعاليات الغنائية والموسيقية نقدمها للجمهور بشكل مجاني ومستمر في العديد من المحافل والمهرجانات الثقافية بغية تعريف الآخرين بالموروث والفن العربي الأصيل ونعمل ايضا على تدريب المطربين الفرنسيين الغناء العربي، من خلال كتابة الاغنية بالأحرف الفرنسية ليتسنى للمطرب غناءها بشكل مرن.. هذه الخطوة تهدف ايضا إلى نشر  وإيصال الاغنية العربية والعراقية للمجتمع الفرنسي.. كانت صعبة ومعقدة للغاية خصوصا وان المجتمعات الاوربية مختلفة من حيث العادات والتقاليد والأعراف لكن الإصرار على المواصلة حدا بي أن أصنع شيئا من لا شيء.. خطوة وان كانت بسيطة لكن استطعت ان أقول من خلالها ان العراق وأبناءه خلاقين مبدعين أينما حلّوا»..
وفي النهاية، لم يكن انتقاله من الصحافة إلى الموسيقى مجرد تغيير في المسار المهني، بل كان تحولاً في الذات. ترك وراءه العالم الذي يعج بالكلمات وانتقل إلى عالم ملؤه الإحساس. والآن، كلما عزف لحنًا جديدًا، كان يعرف أن رحلته لم تكن عبثية، بل كانت بحثًا عن الصوت الداخلي الذي لطالما انتظره ليطلقه إلى الحياة.