علي العقباني
يعدُّ الكثير من نقاد الأدب أنَّ الكاتب إدغار آلان بو، هو مؤسس القصة البوليسية في العالم بسبب قصصه "جرائم شارع مورغو -1841"، و"لغز ماري روجيه"، ومن ثمَّ ظهر بعده في بريطانيا عام 1852 الكاتب تشارليز ديكنز بروايته "البيت الكئيب"، حينها اتسع مصطلح أدب الجريمة أو الأدب الجنائي، والذي يمكن تعريفه بأنّه الأدب القائم على جريمة أو حادثة، يقوم أحد ما من الشرطة أو الاستخبارات بكشف الملابسات السرديّة عبر سلسلة ألغاز وأحداث تشوّق القارئ لمعرفة الجاني، وربما يتخلل ذلك سلسلة علاقات وتداخلات وصولاً إلى الحل، وربما تكون الرواية البوليسية هي الأخرى مسرحاً للأخطاء القضائية والتحقيقات الخاطئة.
ويُعدُّ كلٌّ من "السير آرثر كونان دويل، وويلكي كولينز، أجاثا كريستي، ومارجرين ألينغهام وجاك فولتير، وجورج سيمنون" وغيرهم، من رواد أدب الجريمة، ومن هنا يعد البعض الرواية البوليسية وليدة حداثة القرن التاسع عشر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
غذى تطور فنون الأدب وأحداث بداية وأواسط القرن العشرين انتشار كتابة الروايات البوليسية في العالم كله، وارتبطت تلك الكتابات بظاهرة رجال التحري الخاصين الذين يعملون بمعزل أو بصورة مستقلة عن الجهات العامة من الشرطة أو الأمن الجنائي، وفي بعضها كان يجري تعاون سري.
والدكتور محمد عامر المارديني، الذي عرف باهتمامه في الأدب القصصي الساخر من خلال إصداره عدداً من المجموعات القصصيّة أمثال "حموضة معدة، مقصات ناعمة، أسلاك شائكة، قصص شبه منحرفة ورواية شهاوى"، لكنه في روايته "صاحب الظل القصير" الموجهة للفتيان والشباب يبدو أنّ العنوان كان مربكا ومحيّرا ويحيل بالضرورة الى الرواية الشهيرة هي "صاحب الظل الطويل" محاولاً الاستلهام أو الاستفادة من أحداث عاشها أو عرفها خلال حياته وطفولته فيوظفها في أعماله. وهنا سنكون مع سردية ذات طابع بوليسي جنائي محكمة وبسيطة.
ومن خلال حكاية شاب يأتيه هاتف من مجهول يطلب إليه الحضور إلى قبر أبيه، وحين ذهابه يُفاجئ بالأذى الذي تعرض له القبر وهنا يسمع صوتاً كأنه صوت أبيه يناديه ويطلب منه طلباً غريباً، يربك الشاب ويوقعه في حيرة وخوف، فالصوت يخبر الشاب بضرورة الذهاب إلى شقة سكنية ويعطيه العنوان والمفتاح والمواصفات ومكان الخزنة في البيت، وهنا لا داعي للخوض في التفاصيل والتي تُشكل عماد القصة البوليسية فهي التي ستقودنا إلى الحدث أو الأحداث. شخصيات الرواية ذات بعد واحد لا يذهب عميقاً في تحليلها، بل يتركها من خلال لغتها وسلوكها أن تقول نفسها، فالجريمة لها أسباب كثيرة، والنفس البشرية الذاهبة إلى ارتكاب فعل ما تتميز بخصائص معينة. البيئة كانت فقيرة والعائلة مفككة، وحيثيات السرقة التي يسردها المؤلف بتشويق وتصاعد وكلاسيكية سردية لا تغامر باللعب في الزمن، وتحاول الذهاب نحو عالمي التخييل ولغة التشويق.
لا تخلو الرواية من مواقف ساخرة "سقوط فردة الصندل أثناء هروب السارق، عودة الكهرباء وفرحة سكان البناية الذي أجفل السارق"، والسؤال هنا من المجرم؟، سؤال جنائي وليس روائيا.
بناء شخصيات الرواية يتميز بعضها بالنمطية والضعف والتردد والخوف والانتهازيّة والأنانيّة والقدرة على التلاعب بالآخرين، حيث بدت أفقية وبلغة شبه واحدة، أما الحبكة واللغة والسرد والتنوع والمكان الذي يحاول الروائي عدم الإفصاح عنه تماما، سندركه من الحوارات وربما من فرحة الناس بعودة الكهرباء، وهو أمر لا يحدث إلى في بلادنا، وسواء كان ظل السرقة طويلا أم قصيراً، فإنّ الروائي ينهي عمله بموعظة وقيمة، وهذا قد يكون ذا جانب تربوي تعليمي اجتماعي.
وبالرغم من أن الرواية لا تخرج عن النمط الكلاسيكي للرواية البوليسية (البناء التصاعدي، الحبكة، الجريمة، المفاجآت، التلاعب بالقارئ، التحقيق، حل اللغز) إلا أنّها تعيد الأهمية إلى هذا النوع من الأدب في بلداننا والذي يمكن من خلاله الغوص في قاع المجتمع، فالأدب البوليسي قد يكون هو الكاشف للوجه الآخر للمجتمع، للمشكلات النفسية والاقتصادية الكامنة في أعماقه، فالجريمة في حد ذاتها كاشفة لطبيعة العلاقات بين البشر.