(أبو ضاري) وبؤس الحاضر

ثقافة شعبية 2024/11/07
...

كاظم غيلان

(ردت انساك ..
تاليها نسيت الناس كلها
وما كدرت انساك)
هذه بعض كلمات لأغنية وضع ألحانها وأدّاها الفنان (فاروق هلال) ومن ثمَّ أعاد أداءها الراحل (صلاح عبد الغفور).
الكلمات للشاعر سالم خالص (أبو ضاري) وهو وفقاً للتجييل الشعري الذي اعتاده بعض النقاد والباحثين - من شعراء حقبة الستينيات، وله في الإصدار الشعري مجموعة واحدة عنوانها (فراكين الهوى). وخالص تربوي أيضا، أدار مدرسة التنومة الابتدائية عند الستينيات التي كان أحد تلامذتها الفنان (رياض أحمد) الذي سرّني بهذه المعلومة في حوار قصير معه نشرته في مجلة (صوت الفلاح) نهاية الثمانينيات.  أعد وقدّم أبو ضاري برنامجه الشهير خلال عقدي الخمسينيات والستينيات وكان من أهم البرامج المعنية بشعر العامية، له متابعون كثر على امتداد العراق، إذ كان يبث على أثير إذاعة بغداد، ولعله أسهم في تسويق أصوات شعريَّة بارزة، بل وأشاع العديد من القصائد التي لم تزل حيَّة ليومنا، كـ (ردي ردي) لعريان السيد خلف . يتوفر أبو ضاري على ثقافة أسهمت بيئته الاجتماعية ومعطيات عصره في تكونها، اذا ما علمنا بأنّه فضلاً عمّا تقدم شقيق الشخصية الثقافية والوطنية البارزة (صلاح خالص) أحد مؤسسي اتحاد أدباء العراق والذي رأس تحرير مجلة (الثقافة) لسنوات طويلة بجهد شخصي مع زوجته المثقفة والاكاديمية والمترجمة طيبة الذكر
(د. سعاد محمد خضر) التي كانت واحدة من رموز تحرّر المرأة ودعاة مبدأ مساواتها مع الرجل.
برنامج (الشعر الشعبي) الذي أعده وقدّمه أبو ضاري ظل لسنوات طويلة  حتى بعد رحيل البرنامج وصاحبه محط إعجاب ومقبوليّة اتجاه شعر العامية التقليدي الذي كان يبسط سطوته الرسميّة من خلال جمعيته التقليديّة، واتجاه التجديد الذي لقيَ ترحيباً واهتماماً نخبوياً لافتاً . عوامل عديدة كانت خلف تلك المقبوليّة والرضا، لعلَّ في مقدمتها وعي الشاعر وشخصيته - تجربته الحياتيّة فقد كان سخياً طيباً بعيداً عن أجواء البغض والإنانيّة والحزبيّات الضيقة، فضلاً عن استشارته للمقربين له من شعراء تلك الحقبة حسب ما نقل لي الراحل (د. كريم محمد حمزة). تجربته الشعريَّة متواضعة لكن حسب له ما قدم من خدمة لشيوع شعر العامية ورفد رصيد مقبوليته ومعجبيه والمهتمين به من باحثين واعلاميين.  كل ذلك حصل في زمن لم تتوفر به وسائل الإعلام المرئي بتلك السعة  وما تلاها من تطورات لاحقة نعيش ذروتها اليوم في ظل الفضائيات والسوشيل ميديا . تذكرت اليوم أبو ضاري وبرنامجه وأنا أتابع العديد من منشورات لمدوّنين يطالبون الفضائيات العراقيَّة بإلغاء البرامج المعنية بشعر العامية عقب إخفاق معيب حصل في واحدة منها. ومع أنّني لستُ مع هذه المطالبة اذا ما اختارت هذه الفضائيات بعض الطاقات التي تتوفر على قدر من المهنية والوعي الشعري، مع أنَّ ذلك بات في حسابات المستحيل في ظل رثاثة راهن ثقافتنا الاستعراضية، حيث تضاعفت أعداد اللاهثين واللاهثات لمهرجانات الصخب والاستعراض وشهادات الكارتون (التقديريّة) و(دروع التنك) المعاد الذي لفضه حتى سوق الصفارين .
لروحك السلام (أبو ضاري) ولبرنامجك الحي في زمن البرامج الميتة .