حذار من التسريبات

آراء 2024/11/11
...

 حمزة مصطفى


يختلطُ في التسريبات الصوتيَّة أو الكلاميَّة أو الوثائق، الحابل بالنابل في العادة بحيث يصعب بدءاً التيقن فيما إذا كان ذلك التسريب الصوتي أو تلك الوثيقة صحيحة أم مزورة. لكنَّ المشكلة أنَّ أحكام الإعدام من قبل المجتمع قبل القضاء بحق من هو مستهدفٌ من وراء ذلك. إشكاليَّة قيميَّة أخلاقيَّة بدأت تتزايد في ظل انتشار وسائل ووسائط الميديا والسوشيال ميديا اليوم. من يتولى عمليَّة التسريب لا يهدف إلى معرفة الحقيقة بقدر ما يريد خلط الإساءة وخلط الأوراق، وبالتالي فإنَّه يحقق هدفه. فأي تسريبٍ صوتيٍ يحتاجُ إلى وقتٍ لكي يتمّ التأكد من كونه حقيقياً أم مفبركاً. الأخطر أنَّ الناس لم تعد تريد معرفة الحقيقة بقدر ما تريد أنْ تتسلى بإعادة نشر ما تم تسريبه أو التسقيط بدافع الانتقام الشخصي والمعنوي، وبذلك يتحقق هدف الجهة التي تولت عمليَّة التركيب والفبركة بوساطة الذكاء الاصطناعي. وهنا أقصد التسريبات غير الصحيحة وليست تلك التي يتمُّ التأكد منها قضائياً.

لكنَّه مع ذلك فحتى لو تمَّ التأكد بأنَّ التسريب الصوتي "طلع" مزور والوثيقة المنشورة بوصفها سرَّ الأسرار "طلعت" مزورة فإنَّ الشخص المستهدف يكون شبع موتاً معنوياً. فالناس في النهاية لا يرحمون، وهذه هي بحد ذاتها إشكاليَّة أخلاقيَّة في غاية الخطورة.

والواقع أنَّ هذا النوع من التعاطي مع مثل هذه القضايا وبالطريقة التي نشاهدها ونتابعها شجعت الكثير من الجهات إلى استهداف شخصياتٍ سياسيَّة أو حكوميَّة يمكن وصفها بالناجحة والتي باتت تقف حجر عثرة أمام محاولات جهات وأطرافٍ أخرى الاستحواذ على المال العام أو التمدد في النفوذ خارج القانون والأصول وذلك بفبركة تسجيلاتٍ أو نشر وقائع أو معلوماتٍ لا صحَّة لها. ومثلما قلنا فإنَّ التحقق ممَّا يتمُّ تداوله لا يمكن أنْ يحصلَ فوراً فإنَّ الهدف الذي هو التسقيط يكون قد تحقق، ولم تعد هناك حاجة لمزيدٍ من التحقيقات لكي يتمّ إثبات أنَّ التسجيل مفبرك. ربما يكون إثبات كونه مفبركاً وليس صحيحاً يعيد الاعتبار وظيفياً للشخص المستهدف لكنه يكون قد نال قسطاً وافراً من شتى تهم الفساد وسواها من الاتهامات الباطلة التي هي كفيلة بإسقاطه اجتماعياً. ولعلَّ خطورة ذلك تكمن في أنَّه إذا كانت عقوبة الدولة انضباطيَّة فإنَّ عقوبة المجتمع تدميريَّة، مع أنَّ الناس تعرف أنَّ هناك المزيد من الفاسقين الذين يجيئون بأنباءٍ مزيفة التي تتطلب عدم إصدار الأحكام بجهالة مثلما يقول النصُّ القرآني.