حسب الله يحيى
يسود حياتنا السياسية والاجتماعية، الكثير من خطابات التضليل والتجهيل. ففي السياسة نستمع ونرى الفضائيات تقدم سلسلة من الأنباء والصور المضللة، فضلا عن المحللين والخبراء الذين يرافقون نشرات الأخبار والبرامج السياسية، ليدلوا بآرائهم التي يفترض أن تكون على علم ومعرفة بخصوصية كل خبر وكل ظاهرة، أما أن يكون البعض من هؤلاء معبأ بالمواقف والايجابيات الجاهزة، قبل الإصغاء إلى طبيعة الأسئلة التي توجه اليهم، في وقت يكون المتلقي بأمس الحاجة إلى معرفة حقيقة ما يراه ويسمعه ويعيشه في حياته اليومية، فإن هذا الأمر يحتاج إلى وقفة والى انتباه.
ومع إصرار البعض على الحديث في شتى الأمور؛ يصر عدد من معدِّي الأخبار والبرامج الي استضافة أشخاص لا علاقة لهم بالموضوع المطلوب مناقشته، أو أن آراءه سبق أن أدلى بها مراراً وتكراراً حتى أصبح قاموسه اللغوي معروفا لدى المتلقي مثلما يعرف مسبقا ما سيقوله.. وفي ظن هذا المتحدث أن المتلقي جاهل وغير عارف بالأمور.. مما يجعله يسعى إلى تضليله، بدلا من كشف الحقائق أمامه وتقديم معلومات تضفي على حديثه الاستجابة والاحترام والمتابعة.
وما يجري في السياسية؛ يجري كذلك في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية والثقافية أيضا.
فالباحثة الاجتماعية في المحاكم –مثلا- لا تلعب دورًا في توجيه الزوجين إلى حقيقة المشكلة بينهما، وإنما كل ما تفعله هو توجيه النصيحة المجردة، وذلك للحيلولة دون الانفصال، في حين يتطلب الأمر دراسة كل حالة لوحدها بعيدا عن الحالات الأخرى، فليست هناك حلول تجمع المشكلات كلها والحالات مع بعضها.
وفي الأوضاع الصحية، لا نجد ثمة تعاملاً صحياً سليماً، من قبل بعض الأطباء الذين يبتزون المرضى، ومن النادر أن يقول الطبيب لمريضه بأن عليه مراجعة الطبيب المختص، وإنما يسعى إلى ابتزاز المريض مادياً، خاصة عندما تكون الصيدلية والمختبر والأشعة والتحليلات كلها عائدة له أو له شراكة فيها. هنا يصبح المريض ضحية تضليل وتجهيل وابتزاز.. لا يجد فيها المرض نفسه إلا عرضه للسطوة والسرقة في السر والعلن، من دون أن يكون هناك رادع أخلاقي أو إنساني أو قانون يحول دون هذا التضليل والابتزاز.
فيما ينشر عدد كبير من مضللي المرضى بالعلاج عن طريق الأعشاب أو الطب الروحاني أو قاعات التمارين الرياضية التي تنتشر في البلاد على نطاق واسع وهي تخلو من خبرات في تمارين الجسد.
وفي التربية، نجد المعلم – البعض منهم- لا يسعى إلى تطوير نفسه، بل لا يريد ان يعمل على فهم مادة الرياضيات ليتمكن من ايصالها إلى الطالب. ولا علاقة له بتوجيه هذا الطالب توجيها صحيحا وانما (ينصحه) باللجوء إلى الدروس الخصوصية بينما تسمى العملية التعليمة بـ(التربية) أولا ثم (التعليم) ثانيا.
وفي الاقتصاد، يتخذ بعض التجار أزمة عدم استقرار صرف الدولار، مما يجعلهم يضللون الناس بأن ارتفاع الأسعار له علاقة أساسية بالدولار!.. حتى أصبحت ابسط بضاعة استهلاكية يحتاج اليها المواطن، فرصة للتضليل إلى جانب الغش في كثير من السلع والمواد الغذائية والمعلبات والمعدات التي نستخدمها..
كل ذلك يحصل بسبب عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية من قبل البعض والذين لا هم لهم سوى تحقيق الأرباح على حساب مواطن يعاني الكثير من الضغوط والحاجات اليومية التي ترافق مسار حياته.
وفي الثقافة نجد الكثير من الكتب، التي تطبع وتنشر من دون ان تلقى قارئا واحدا يعنى بقراءتها مثلما نجد الكثير من النشاطات والمهرجانات التي لا يجد فيها المثقف ولا المتلقي أية فائدة تذكر.
كل هذه الظواهر لا بد من معالجتها والانتباه على أنها تشكل ضغوطا على المواطن وتسهم في تضليله، وصولا إلى عدم ثقته وقناعته بكثير من الأشياء، وذلك عندما يجد أن كل شيء عرضة للتضليل والتجهيل.
لقد آن لنا جميعا ان نسهم في توعية الناس والكشف عمَّن يسعون إلى تضليلهم، لأننا بحاجة ماسة إلى إنسان واعٍ يدرك طبيعة كل ما يدور حوله.