د. خالد عليوي العرداوي
- تحويل الأزمة الإقليمية إلى فرصة لتطوير العلاقات الخارجية، والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي من خلال استراتيجية تنموية شاملة، تعالج كل الملفات التي تعيق تطبيقها، لا سيما ملفات: الفساد، ووجود القيادات غير المناسبة، وتفعيل سلطات انفاذ القانون، وتعزيز الشعور بالهوية الوطنية، ومنع التدخلات الخارجية.
سيبدأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في العشرين من كانون الثاني المقبل، ولايته الثانية بصفته الرئيس السابع والأربعين للبيت الأبيض.
لقد أثار تجديد انتخاب ترامب، موجة كبيرة من ردود الأفعال الدولية، فهناك دول مرحبة: روسيا، والكيان الصهيوني، ودول الخليج العربي، وكوريا الشمالية، وتركيا... وهناك دول متخوفة: الاتحاد الأوروبي، وأوكرانيا، وإيران، والصين، والعراق، واليابان، وغيرها. ولكل واحدة من هذه الدول أسبابها ودوافعها الخاصة.
في ما يتعلق بالعراق هناك قلق وتخوف من عودة ترامب، لا يرتبط بالدرجة الأولى بمذكرة إلقاء القبض الصادرة بحقه من إحدى المحاكم العراقية في كانون الثاني 2021 على خلفية الأمر الذي أصدره اثناء ولايته الأولى (2016- 2020) في الثالث من كانون الثاني 2020 فيما سمي بـ "هجوم مطار بغداد الدولي"، وانما يرتبط القلق والتخوف بالسياسة الاميركية تجاه الشرق الأوسط، والمحكومة بالصراع بين واشنطن وطهران من جهة، وطبيعة الوضع الداخلي العراقي من جهة أخرى.
تأثير الصراع الأمريكي- الإيراني
تخوض الولايات المتحدة منذ عام 1979 والى الوقت الحاضر، صراعا مريرا مع طهران، فهما لم يتركا فرصة وثغرة الا واستثمراها لتعزيز نفوذهما على حساب بعضهما البعض، وكانت المرحلة الأسوأ في علاقاتهما خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، بعد انسحابه الأحادي من "خطة العمل الشاملة المشتركة" مع مجموعة " 5+ 1" الخاصة بالاتفاق النووي، واتباع ما سمي بـ "سياسة الضغط الأقصى"، لإجبار طهران على توقيع اتفاق جديد يراه أكثر "عدلا" فيما يتعلق بتحجيم طموحاتها النووية، وبموجب هذه السياسة فرضت واشنطن عقوبات قاسية على ايران، تسببت لها بمشكلات اقتصادية واجتماعية داخلية. كما قام الطرفان خلال تلك المدة بأفعال متبادلة، كادت ان توصلهما إلى حافة المواجهة المباشرة.
إن الذاكرة الأميركية - الإيرانية لولاية ترامب الأولى مشحونة بالصراع والعداء المتبادل، ومن المتوقع زيادة هذا الصراع خلال الولاية الثانية، لاسيما بعد المعلومات المتداولة حول محاولة طهران اغتيال ترامب، وتدخلها لغير صالحه في الانتخابات الأخيرة رغم نفي إيران ذلك، فضلا على بروز عامل جديد مؤجج للصراع يتمثل بحرب غزة وتداعياتها.
وسيتمحور صراع واشنطن وطهران في السنوات الأربع المقبلة - فترة ولاية ترامب- حول
التوصل إلى صفقتين:
- الأولى: صفقة الملف النووي الإيراني، والتي سيترتب عليها إعادة عمل واشنطن بسياسة اقصى الضغوط لإجبار طهران على الرضوخ لإرادة واشنطن، ومن المتوقع عدم قبول طهران التنازل ومواجهة عقوبات واشنطن بكل الطرق المتاحة، مما يعني المزيد من التصعيد بين الجانبين، وستكون لذلك تداعياتٌ في عموم ساحات الصراع في الشرق الأوسط،
لاسيما الساحة العراقية.
- الثانية: صفقة إيقاف الحرب في غزة، فواشنطن لا سيما خلال مدة "البطة العرجاء" التي تمر بها الإدارة الأميركية، ستطلق العنان للكيان الصهيوني لتكون أكثر قسوة وجرأة في إدارة الحرب مع خصومها، لتغيير معادلات القوة في الشرق الأوسط، لا يشكل تهديدا للمصالح الأميركية- الإسرائيلية.. مما يعني أن الصراع بين أطراف هذه الحرب سيتصاعد في محاولة كل طرف فرض واقع ميداني يصب في مصلحته عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
• المطلوب من الحكومة العراقية؟
لتجاوز خطر السنوات الأربع المقبلة، على العراق القيام بما يلي:
- الاسراع بفتح حوار شامل بين القوى السياسية النافذة، سواء كانت في السلطة أو خارجها، واشراك جميع الفواعل في هذا الحوار، من اجل توضيح طبيعة الوضع المعقد الذي يمر فيه العراق والمنطقة، وخطورة القرارات والمواقف المستعجلة والمنفردة على مصالح البلد العليا، وضرورة تركيز الجهود لإقناع الجميع بأولوية استقرار العراق وتطوير قدراته الشاملة، وانعكاسات ذلك المستقبلية المفيدة للجميع.
- وجود سياسة خارجية فاعلة ومؤثرة وقابلة للتصديق من جميع الأطراف الإقليمية والدولية بأن العراق غير راغب في التورط بالصراعات الخارجية، وإنه مع حفاظه على ثوابته الوطنية يرغب بلعب دور صانع السلام والاستقرار في المنطقة أكثر من دور مشعل الحروب والصراعات.
- وحدة القرار السياسي، ووحدة القيادة والسيطرة الأمنية على جميع أجهزة منظومة الامن والدفاع العاملة في العراق، وترك المسؤولية كاملة للحكومة الاتحادية في اتخاذ ما تراه مناسبا في ما يتعلق بقرار الحرب والسلام.
- تحويل الازمة الإقليمية إلى فرصة لتطوير العلاقات الخارجية، والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي من خلال استراتيجية تنموية شاملة، تعالج كل الملفات التي تعيق تطبيقها، لا سيما ملفات: الفساد، ووجود القيادات غير المناسبة، وتفعيل سلطات انفاذ القانون، وتعزيز الشعور بالهوية الوطنية، ومنع التدخلات الخارجية.
باحث وأكاديمي عراقي