سرور العلي
تزايدت ظاهرة التنمر على منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، إذ أصبحت تعرض على شكل محتوى ترفيهي رغم أنه يحمل في طياته إساءة للآخرين وسخرية منهم.
يرجع الموظف محمد حسين هذا الانتشار إلى وجود دوافع عدائيَّة وأحيانا اضطرابات نفسيَّة وسلوكيات غير سوية تجد في هذه المنصات ساحة للتعبير عن نفسها، من دون مراعاة لمشاعر الآخرين. وغالبا ما تسهم قلة الوعي الثقافي في تفشي هذه الظاهرة، مما يجعل مواقع التواصل بيئة خصبة للسلوكيات الشاذة. وتزداد الأمور سوءا عندما يشارك بعض المشاهير في "ترندات" التنمر، مما يشجّع جمهورهم، وخاصة الأطفال، على تقليدهم. ومن ثم، تصبح هذه الظاهرة أكثر انتشارًا.
تُظهر آثار التنمّر بوضوح في تأثيره النفسي على الضحايا، الذين يعانون من الاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، بل وقد ينعزلون اجتماعيًا.
إساءة وتربية
تتجنّب المعلّمة وسن إبراهيم استخدام بعض التطبيقات الرقميَّة التي تعرض محتوى مسيئًا، وتؤكد أهمية متابعة الأطفال والمراهقين في ما يتعلق بما يشاهدونه على الإنترنت، خوفًا من تأثيره على شخصياتهم المستقبليَّة. وتقول: "من الضروري أن تراقب الأسرة ما يطلع عليه أبناؤها من محتوى، والتحدث معهم عن الأنشطة المفيدة والهادفة، مثل الرسم، العزف، الرياضة، وتطوير مهاراتهم الإبداعيَّة. ينبغي تقليل استخدام وسائل التواصل، وحثهم على تجنّب تقليد الفيديوهات المضحكة التي تروّج للتنمّر".
الآثار النفسيَّة والاجتماعيَّة
توضح الدكتورة ناز بدر خان السندي، أستاذة العلوم التربويّة والنفسيّة في جامعة بغداد، أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت العامل الرئيس في انتشار ظاهرة التنمّر، التي لم تكن معروفة سابقًا في المجتمع. وتضيف: "في الماضي، كان التنمّر يظهر بشكل محدود في المدارس، وكان يتم التعامل معه عن طريق الإرشاد النفسي. أما الآن، فقد أصبح التنمّر جزءًا من ثقافة الإنترنت، إذ يتم تشجيع الأطفال والمراهقين على تبني سلوكيات سلبيَّة من خلال المزاح والتعليقات الساخرة. وهذا يتسبّب في تراجع اهتمامهم بالمحتوى الإيجابي والمفيد".
خطر التنمّر على الجيل المقبل
وتؤكد السندي أنَّ ظاهرة التنمّر قد تحولت إلى "ترندات" كوميديّة، يتم تقليدها على نطاق واسع، مما يجعل المجتمع يقبلها أكثر من البرامج الهادفة. وتوضح أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل كبير على الأطفال والمراهقين الذين يتعلمون التنمّر من دون أن يدركوا آثاره السلبيَّة. وتعبّر عن قلقها من أن الجيل المقبل سيواجه تحديات أكبر بسبب هذا التأثير، حيث يتربّى على السلوكيات السلبيّة التي تروّجها وسائل التواصل الاجتماعي.
دعوة للرقابة والتوجيه
تدعو السندي إلى ضرورة تدخل الجهات المختصة لمراقبة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، وتشديد الرقابة على ما يراه الأطفال والمراهقون. كما تُوصي بتحديد وقت معين لاستخدام الإنترنت، مع توجيه الأطفال نحو البرامج التعليميَّة والأنشطة الترفيهيَّة الواقعيَّة التي تسهم في تطوير مهاراتهم الشخصيَّة، بعيدًا عن العالم الافتراضي. ومن خلال هذا، يمكن تقليل تأثير السلوكيات السلبيَّة على الشخصية العامة للأطفال والمراهقين، مما يعزز فرصهم في بناء مستقبل إيجابي.