أ.د عامر حسن فياض
كيف وفي ظل أية شروط وضمن أية حدود يمكن أن تكون سيادة الشعب حقيقة واقعة؟ ستكون الإجابة سهلة وواضحة وهي أن سيادة الشعب تكون حقيقة واقعة عندما يحكم اهداف السلطة رأي عام جماعي واضح ودقيق.. بيدَ أن الإجماع حدث نادر، والتردد أمر شائع، سواء بالنسبة للإرادات الجماعية أو الفردية معا.
لذلك فان ما يتفق مع طبيعة الأشياء أن تقسم إرادة الشعب إلى أقلية وأكثرية في كل القضايا، وأن يكون هذا الانقسام فعالاً ومضنياً، لأن هناك الكثير من الناس الذين يصعب عليهم أن يقرروا ما اذا كان عليهم الوقوف مع الأكثرية أو مع الأكثرية، وتمثل العلاقة بين الأكثرية والأكثرية من جهة، وإرادة الشعب صاحب السيادة من جهة اخرى القضية الاساسية لكل الأنظمة السياسية، التي تتطلع لأن تكون أنظمة ديمقراطية شرعية، ليكون جوهر قضية الشرعية متمثلا بالعلاقة بين الأكثرية والأكثرية أو بقضية إرادة الشعب صاحب السيادة.
إن معالجة هاتين القضيتين تنطلق من منطلقين على رأي الكاتب الامريكي الليبرالي (والتر ليبمان) هما:
المنطلق الأول: إن انتصار ديمقراطية الأغلبية لا يقوم إلا على بدعة جماعة اليعاقبة الفرنسية القائلة: إن الشعب صاحب سيادة كاملة، ولديه الكفاءة لحل معظم المشكلات الصعبة في السياسة العامة، وأن ما تريده أغلبية الشعب، هو التجسيد الوحيد للحق السياسي.
المنطلق الثاني: إن قضية الديمقراطية الشرعية ستجد لها حلاً عندما تستطيع الارادتان المتعارضتان الأكثرية والأكثرية، السلطة والمعارضة، أن تظهرا وتصلا سوية من دون أن تعيق إحداهما الأخرى الأمر الذي يقتضي تحقيقه بأن:
- تكون الأكثرية التي تمتلك السلطة، أكثرية فعالة وحقيقية، وليست مزيفة ومهددة واقعياً بان تصبح أقلية.
- تكون الأكثرية المعارضة أقلية حقيقية، وتمثل رأيا عاما واضحا وعميقا وليس مجرد مجموعات انفعالية ومعرضة للزوال.
- تكون لدى الأكثرية والأكثرية مصداقية الاخلاق السياسية ونقاءها، والاحترام المتبادل بينهما، بما يؤسس للاحترام المتبادل بين الحكام والمحكومين.
- تعترف الأكثرية والأكثرية بحقوق وحريات كل الناس، وتقران بأن كل واحد منهم يمثل شخصاً مصوناً.
غير أن (والتر ليبمان) عاد بعد ذلك ليصبح افلاطونياً محدثاً بتطلعه إلى حكم النخبة، وإخضاعه الممارسة الديمقراطية لبعض التحفظات، حيث يطلق في كتابه (مقالة في الفلسفة العامة) صرخة يحذر بها من مظاهر الضعف، التي تعاني منها الديمقراطية الغربية بفعل عاملين الأول عامل تطور نوع من عدم التوازن الوظيفي في العلاقة بين الجماهير الشعبية والحكومات الديمقراطية التي فقدت سلطتها في الحكم الحقيقي، وباتت خاضعة لمطالب شعوبها باستهداف اهداف متشعبة وغير معقولة أكثر الأحيان. والثاني عامل خضوع السلطة التنفذية في الانظمة الديمقراطية للمجالس المنتخبة في حين أن الاختيارات الحاسمة، لا يقوم بها الناخبون، بل يقوم بها رؤساء الأحزاب وجماعات الضغط والقادة المسيطرون على الوسائل الحديثة للاتصال بالجمهور.
صحيح أن الشعب صاحب السيادة لكنه يفتقر للكفاءة، وهو ما يترتب عليه صعود فئات من الأشخاص غير المسؤولين الذين لا يعترفون بأية معايير ولا تقاليد، ولا تحركهم إلا الرغبة في الحصول على أكبر قدر ممكن من المزايا لأنفسهم، وهم يتنمرون من السلطة ويتنمرون على كل قيد.. إنهم كتلة لا وجه لها ولا اسم ولا جذور ولا ميراث، وان استمرار سيطرة هؤلاء على الحكم هو المقدمة للدمار.
ومن هنا ينبغي على القادة المثقفين في عالمنا الحديث أن يتذكروا أن خاصية إدارة الحكم الصالح للمجتمع السياسي ينبغي ان تكون خاصية قانونية قضائية تحديداً، ولا ينطبق هذا على القضاة فحسب، بل وينطبق أيضاً على المشرعين، وأعضاء السلطة التنفيذية، وكل من يتوقون لخدمة الصالح العام.
وعلة ذلك ان السلطة التشريعية عندما تقوم بتشريع القانون أو تعديله، تكون قاضيا يصدر احكامه في صالح بعض الأطراف ضد أطراف أخرى، والسلطة التنفيذية عندما توازن بين متطلبات المصالح المختلفة، فإنها لا تريد فرض إرادتها فحسب، بل وتريد أيضا أن تكون قاضيا يبحث عن الحل الأكثر عدالة.
إن سيادة الشعب لا يمكن تلمسها دون القانون وتطبيقه لفرض سيادته، وتكمن أهمية سيادة