ياسين العطواني
لا أحد يَنكُر خطورة المرحلة التاريخية التي تمر بها المنطقة، والتحولات الدراماتيكية المتوقعة، وما قد يُرافق هذه التحولات من بروز الكثير من التحديات، والأزمات، بعضها ناتج من صيرورة هذه التحولات، والبعض الآخر مؤجل من فترات تاريخية سابقة، حان وقت التعامل معها بعد رفع الموانع التي كانت تحول دون ذلك. ولا شك ان هذه الأجواء تنطبق على واقع العراق كبلد، واجه جملة من التحديات الكبيرة والكثيرة، وهي من السعة بحيث لا يمكن لأي طرف أو جهة سياسية محددة مهما امتلكت من إمكانيات وقدرة أن تقوم بالمهمة وحدها، لا سيما وسط هذه الصعاب والأزمات التي لا يراد لها أن تنتهي بيُسر ودون تضحيات جِسام. لهذا تقتضي الحاجة والضرورة الوطنية من الجميع البحث عن مفاهيم ورؤى جديدة ومُبتكرة، للخروج من هذه الأزمات وما قد ينتج عنها من تحولات تاريخية. ونعتقد أن العلاج يكمُن في ظهور الخيار الذي يستند إلى أُسس سليمة وفعالة لمواجهة هذه التحديات. وبطبيعة الحال فإن هذا الخيار ينبغي أن يأتي بعد قراءة متأنية للواقع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي في البلاد، وما قد يؤول إليه هذا الأمر في المستقبل، على أمل خروج هذا البلد من أزماته وما يواجهه من تحديات. وهنا علينا أن نستغل هذه اللحظات التاريخية، بما فيها من أزمات وتحويل هذه الأزمات إلى فرص قابلة للنجاح، لتحقيق أكثر من غاية وهدف، ومن تلك الأهداف التي بات أمر تحقيقها ضرورة مُلحة، هو دعم أي توجه يخدم المصالح الوطنية العليا للبلاد، وتوحيد الصفوف لدعم هذا التوجه الوطني، خصوصاً الأمر المتعلق بالقضايا المصيرية.
فعندما يكون الاستهداف مصيرياً ينبغي أن تتنحى باقي الخلافات جانباً، كما يمكن أن نحول الدعم الداخلي والخارجي سلاحاً معنوياً جديداً يضاف إلى بقية الأسلحة بيد الدولة والحكومة، وبالتأكيد نحن بأمس الحاجة إليه في هذه المرحلة، وفي هذه الظروف. لذا على الجهات المعنية والقوى الفاعلة، أن تستثمر هذه الفرصة النادرة، والمشفوعة بتلك الشرعية الدولية والمتمثلة بهذا الدعم والتأييد للعراق على الأصعدة كافة، لتوحيد صفوفها، ودعم الجبهة الداخلية والحكومة، خصوصاً ونحن نقف على أعتاب مرحلة أقل ما توصف بأنها خطيرة وحساسة، فما حصل ويحصل في العراق يمثل تحدياً كبيراً لجميع القوى السياسية، والفعاليات المجتمعية، وكل من يهمه أمر هذه البلاد والعباد.
إن الحاجة تستدعي اليوم أكثر من أي وقت مضى، إقامة تحالف وطني، يضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع، لا سيما الكفاءات والنُخب، وهو ما تم التأكيد عليه من قبل المرجعية مؤخراً، هذا التوجيه الأبوي بكل ما يحتويه من رؤية وطنية، ومضامين علمية وعملية، يُفترض أن يكون خارطة طريق، وهدفا استراتيجيا لمن يُريد التغيير باتجاه تحقيق الأهداف الوطنية العليا للبلاد. وقد توصلت الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة وثيقة بين إدارة الكفاءات البشرية، المتمثلة بتوفر المعرفة العلمية والعملية وحل الأزمات بكفاءة ونجاح. وهنا يجب التأكيد على أن مفهوم التغيير واستثمار الفرص ينبغي ألّا يختصر على جانب بعينه، بل يتسع ليشمل مختلف جوانب الحياة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وكذلك استثمار علاقات العراق الخارجية، الإقليمية منها والدولية، خصوصاً بعد تبني العراق سياسية الانفتاح والتي أضحت شعاراً مركزياً في هذه المرحلة لمختلف القوى السياسية، وفي الوقت عينه الابتعاد قدر الإمكان عن سياسة المحاور والتحالفات. وهذا الأمر يتطلب القيام بمراجعات حقيقية لتلك البرامج السياسية، التي وضعت لمعالجة القضية العراقية وتجليات ما بعد التغيير، وما حَفلت به من نجاحات في هذا الجانب وإخفاقات في الجانب الأخر. وبعد ان يتم تشخيص الصالح من الطالح، لا بد من القيام بعملية إصلاح ذاتي تُؤشر وتُعالج فيها جميع تلك الإخفاقات التي حصلت هنا أو هناك، بقصد أو دون قصد، ومن ثم تصحيح المسارات، وتلافي العقبات، التي كانت ولا تزال تعترض سير القافلة الوطنية، من خلال وضع خارطة طريق جديدة، تُحدد فيها الثوابت الوطنية، التي حصل عليها الإجماع الوطني، وكذلك تعديل وتغيير منظومة القيم والسلوكيات الخاطئة بمختلف أشكالها.
وعندما يتم تحقيق هذه المفاهيم والمُتطلبات الوطنية، مشفوعة بالإرادة الصلبة، عندها يمكن تحويل تلك الأزمات والتحديات، إلى أهداف وفرص قابلة للتحَقُق والنجاح. لكن الأمر بحاجة إلى رؤية واضحة، وتصور استراتيجي لطبيعة المرحلة،
وما يحيط بها من متغيرات.