بغداد تقترب من لقب عاصمة السياحة العربيَّة

ريبورتاج 2024/11/13
...

  فجر محمد
  تصوير: احمد جبارة

بعد ثلاثين عاما من الغربة، عاد فارس جلال إلى بغداد ليكتشف مدينة تغيرت بشكل غير متوقع. يقول جلال، الذي عاد إلى مسقط رأسه بعد سنوات طويلة في أوروبا: "لم أكن أتوقع أن أرى بغداد بهذه الحيوية والبهجة، خاصة في لياليها التي تزينها الأنوار وأجواء الحياة".
بغداد، التي تحتضن إرثا حضاريا هائلا، تسعى اليوم للفوز بلقب عاصمة السياحة العربية.

تشتهر المدينة بمعالمها التاريخية والدينية، التي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. ويؤكد مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون السياحة والآثار، عمر حسن العلوي، أن الحكومة قد أكملت إعداد ملف شامل يتضمن خططًا لتطوير البنى التحتية والخدمات السياحية، مع التركيز على تعزيز الأمن وتحسين البيئة العامة، مشيراً إلى أنه تم إعداد هذا الملف المهم من قبل خبراء ومختصين عراقيين، وستكون هناك برامج وأنشطة ثقافية، وفنية متنوعة عند اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.
ووفقاً للمدير العام لدائرة المرافق السياحية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار بالعراق، الدكتور عبد القادر الجميلي، فإنه "يجري الآن توفير بنى تحتية للمنظومة السياحية، لأنها من المتطلبات المهمة لحصول بغداد على لقب عاصمة السياحة العربية، ومنها تهيئة موقعي معسكر الرشيد وجزيرة الأعراس السياحية ليكونا موقعين ترفيهيين للزائرين، وكذلك للسياحة العربية والأجنبية والذي بدوره سيرتقي بالسياحة المحلية أيضاً.

حكايات وآثار
لا يمكن للزائر الذي يتجول في مناطق ونواحي بغداد، أن يتجاهل الآثار والتلال التي تروي كل واحدة منها قصصاً وحكايات لأقوام وأناس عاشوا قبلنا، وسعوا بكل ما لديهم من معرفة وقوة إلى أن يتركوا صروحاً علمية وتاريخية، تفتخر بها الأجيال من بعدهم وتطورها ربما، ومن تلك الآثار المدرسة المستنصرية التي بناها العباسيون في العام 1233 على مساحة تبلغ أكثر من أربعة آلاف متر مربع، وعلى شاطئ نهر دجلة.
تسعى المهندسة المعمارية فرح يوسف إلى زيارة هذا المعلم التاريخي والحضاري بشكل مستمر، وتصطحب ابنتيها معها في تلك الجولة الصغيرة سعياً منها إلى تعريفهما بهذا التاريخ، وتقول فرح: "أشعر بالفعل بالفخر وأنا أتجول في أرجاء هذا المكان الذي يعود إلى أزمان كانت فيها بغداد معلماً حضارياً، ووجهة للباحثين عن العلم والمعرفة".
ومن الآثار الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقتها، زقورة عكركوف التي أسسها الكيشيون واحتوت على المعابد التي تمجد الآلهة السومرية، وقد كانت من الأمكنة المقدسة آنذاك، وهي تقع جنوب بغداد. ومن المعروف أن تلك الزقورة كانت عاصمة للبلاد في زمن الكيشيين، وتحديداً الملك كوريغالزو الأول، ولكنها فقدت مكانتها وأهميتها لاحقاً.
من جهته أشار محمد حسين أمين البياتي، المدير العام للصيانة والحفاظ على الآثار في الهيئة العامة للآثار والتراث في وزارة الثقافة، إلى أنه وبأمر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتوجيهات وزير الثقافة، تم تشكيل لجنة عليا مشتركة، ضمت وزارتي الثقافة والإسكان لإعداد جداول تخمينية لصيانة 6 مواقع أثرية وتأهيلها سياحياً وهي القشلة والمدرسة المستنصرية، والقصر العباسي وخان مرجان وموقع عكركوف والباب الوسطاني، وقد تم إكمال الجداول ورفعها إلى رئاسة الوزراء، وبانتظار التخصيصات للمباشرة بالعمل على قدم وساق لإنجاز المهمة واظهار مدينة بغداد، بأجمل صورة وخاصة مواقعها الأثرية ليس فقط من أجل الأجيال المقبلة بل العالم أجمع.
ويجمع الخبراء على ضرورة وجود بنى تحتية للسياحة، ومن أهمها الفنادق والمبيت للضيوف القادمين، أما من المحافظات أو خارج البلاد، غير أن هذا الأمر غير متوفر على ما يبدو، لذلك لا بد من توفير هذه الأماكن لتتمكن بغداد من نيل اللقب.
وتنوه الباحثة والأكاديمية الدكتورة سماء علي الزبيدي، بأن ترشيح بغداد لهذا اللقب هو بمثابة فرصة ثمينة؛ لأن الأنظار ستتجه نحوها، ما يعني إمكانية توفر الدعم والاسناد للاستثمارات الأجنبية داخل العراق وبغداد، وتحديداً وهذا بدوره سيتيح فرص عمل وازدهار للمشاريع المتنوعة.
 كما أوضحت الزبيدي أن التسويق للعاصمة يعني توافد السائحين، وهذا بدوره سيؤدي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية، ولا يمكن إغفال أهمية الأمر في تشجيع الشباب لتطوير مهاراتهم في التعامل مع ثقافات مختلفة ولغات متعددة، وهذا سيؤدي إلى تنمية وتكوين الأفكار الخلاقة وتوسيع المدارك، وفتح الآفاق المتعددة في مجالات عمل مبتكرة وجديدة، ما يخفف العبء على الحكومة في توظيف جميع الخريجين في مؤسساتها والزج بهم في القطاع الخاص بدلاً من ذلك.

خوف وقلق
ربما الصور الإيجابية المتوفرة في بغداد قادرة على منح الجميع الأمل والتفاؤل، في إمكانية حصولها على اللقب المهم وهو عاصمة السياحة العربية، لكن المهندس مازن نجم لا يخفي قلقه من عدم إمكانية تحقق هذا الأمر؛ لأنه يعتقد أن الملوثات البيئية التي ظهرت في سماء العاصمة بغداد، في الآونة الأخيرة وتلوث الجو بروائح الكبريت، فضلاً عن وجود بعض الطرق والشوارع التي تفتقر إلى الخدمات الرئيسة، قد تكون عائقاً أمام تحقق هذا الهدف.
أظهرت البيانات والدراسات التي أجريت من قبل منظمات عالمية رصينة، مؤخراً أن بغداد أصبحت من المدن التي تعاني من التلوث البيئي، وهذا بدوره أثر في جودة الهواء فيها.

اهتمام أكبر
إن بغداد بمقدورها أن تكون مدينة ترضي كل الأذواق، فإن كنت من محبي التطور والحضارة ستجد تلك الصور حاضرة وشاهدة  في أركانها المختلفة، وإن كنت ممن يبحثون عن القداسة والنورانية فستجد ضالتك فيها أيضاً، بهذه الكلمات عبرت عن رأيها  الشابة مريم حميد المقيمة خارج الوطن، لطالما شعرت حميد بالزهو والفخر بتاريخ بلادها، إذ سعت دائماً إلى التحدث لأصدقائها الأجانب بشكل متواصل عن هذا التراث والإرث الذي يضم حتى المراقد المقدسة التي تنتشر في بغداد، لا سيما أن تلك الأماكن تروي قصصاً لشخوص وأبطال قل نظيرهم في العالم.
يلفت رئيس ملتقى السياحة العراقية وليد الزبيدي، إلى أن اختيار بغداد لهذا المنصب أمر مهم جداً، وبالتأكيد سيكون مردوده إيجابياً على العاصمة، إذ سيؤدي ذلك إلى استقطاب زوار وسياح من مختلف الجنسيات وفي حال فوز بغداد بهذا المنصب المهم والحيوي، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى الاهتمام أكثر بالقطاع السياحي من قبل الجهات الحكومية. ويقول الزبيدي: "إن هناك شروطاً عدة يجب أن تتوفر في المدينة التي يتم اختيارها عاصمة للسياحة العربية ومنها توفر الإدارة السياحية الرصينة، والبنى التحتية التي يجب أن تكون موجودة في تلك المرافق، كذلك تنوع الأنماط والأنشطة التي ستقام في تلك الأماكن، في حال فوز المدينة باللقب".

الاقتصاد الوطني
لا يخفى على أحد أهمية السياحة في رفد الاقتصاد الوطني، وتوجد في العالم دول عديدة قامت اقتصادياتها على السياحة؛ ولأن العراق وعلى وجه الخصوص بغداد، تتميز بمعالمها الأثرية والحضارية، فضلا ًعن العمران والتطور لذلك يجد الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور ستار البياتي، أن ترشيح بغداد لتكون عاصمة للسياحة العربية من شأنه أن ينهض بالاقتصاد والتطور العمراني، لأن هذا الأمر سيجلب المستثمرين ورؤوس الأموال، وهذا بالتأكيد سينعكس على الاستقرار الذي تعيشه البلاد، خصوصاً في الآونة الأخيرة.  ويبين البياتي أن البنى التحتية مثل المجسرات والمتنزهات والمواقع الأثرية، كلها عوامل مساعدة تصب بصالح مدينة بغداد وتمنحها تميزاً أكثر، إذ توجد دول متعددة في العالم، خصوصاً الثالث لا تمتلك هكذا مقومات.