د.سرور محمد خليل
يسعى كتاب "كيف ندرس عوالم الفن" لهانس ڤان مانن إلى تحليل كيف يمكن أن تؤثر عوالم الفن في المستوى الاجتماعي، وتوظيف القيم الجمالية في المجتمعات المختلفة.
يعرض الكتاب مقاربات نظرية معقدة، تجمع بين الفلسفة وعلم الاجتماع، ويستعرض آراء مفكرين مثل "جورج ديكي، هاورد بيكر، بيير بورديو" وغيرهم، بهدف تقديم إطار شامل لفهم الوظائف الاجتماعية للفن، إذ يسعى الكتاب إلى معالجة كيف يمكن لهذه النظريات أن تسهم في تحقيق التناغم بين الفن والمجتمع من خلال تنظيم العمل الفني، ودوره في تشكيل قيم جمالية تعكس قضايا اجتماعية وثقافية معينة. كما يناقش الكتاب دور المؤسسات الفنية في تشكيل هذا النظام، بوصفها وسيلة لتنظيم الإنتاج والتوزيع، وبالتالي التفاعل بين الأفراد والفنون بشكل يسهم في تطور المجتمع، حيث نلاحظ في الجزء الأول: عالم الفن كنظام يبدأ الكتاب بمناقشة النظريات المؤسسية، إذ يسلط الضوء على كيفية تفاعل شخصيات بارزة في مجالات الفن مثل "جورج ديكي، هاوارد بيكر، وبيير بورديو" مع مفهوم "عالم الفن".
يتم توضيح كيف أن هذه النظريات تقدم رؤى متنوعة حول وظائف الفن في المجتمع، لكنها في الغالب تقتصر على تفسيرات جزئية للوظائف الاجتماعية للفن من دون التركيز على الترابط بين هذه الوظائف.
يركز هذا الجزء على محاولة الكتاب تقديم إطار شامل لفهم العلاقات المتداخلة بين الفن والمجتمع، بدءًا من الإنتاج، مرورًا بالتوزيع، وصولاً إلى التلقي، كما توضح النظرية المؤسسية لجورج ديكي كيف ينشأ الفن كنتاج لمؤسسة اجتماعية، إذ يعتبر أن الفن ليس مجرد منتج فردي، بل هو نتاج نظام مؤسسي يضفي عليه قيمة من خلال اعتراف المجتمع به، مضيفاً الى كيفية قدرة المؤسسة على تحديد المعايير التي تعتبر الفن وتشرع له، ما يسهم في تأصيل مكانته الاجتماعية في حين.
والجزء الثاني فيتناول القيم والوظائف الجمالية للفنون، حيث ينتقل الكتاب في هذا الجزء إلى مناقشة القيم الجمالية ووظائف الفن، مستعينًا بمقاربات فلسفية تركز على تأثير التجربة الجمالية على الأفراد، كما يناقش الكتاب آراء فلاسفة مثل "كانط وغادامير" حول كيفية تأثير التجربة الجمالية على الأفراد، وكيف تؤثر في رؤيتهم للعالم وفهمهم للواقع الاجتماعي.
وهنا يُطرح سؤال محوري حول كيفية تأثير التجربة الجمالية على المشاهدين، وكيف يمكن أن تسهم هذه التجربة في تعزيز قدرة الفرد على رؤية العالم من زاوية جديدة، مما يعزز الدور المجتمعي للفن.
إضافة إلى ذلك، يناقش الكتاب ما يمكن أن تضيفه الفلسفة الجمالية الحديثة من أدوات لفهم دور الفن في ربط الأفراد بالمجتمع، حيث يعزز الفهم الجمالي للعالم الأبعاد الاجتماعية بين الأفراد ويزيد من الوعي الجماعي. ويُظهر الكتاب أيضًا كيف تسهم القيم الجمالية في تحقيق التحولات الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في الأفراد والمجتمعات في مواجهة التحديات المعاصرة. في حين تضمن الجزء الثالث آليات عمل عوالم الفن، اذ يناقش هذه الآليات عبر التحليل التنظيمي للعمليات التي تجعل للفن دورًا اجتماعيًا فعالًا، كما ويتم استعراض شبكة العلاقات بين الإنتاج، التوزيع، والتلقي، وكيف تتضافر هذه العمليات لتعزيز دور الفن في الحياة المجتمعية.
يشير الكتاب إلى كيفية أن هذه الآليات تسهم في جعل الفن مؤثرًا في تشكيل الهوية الاجتماعية والوعي الجماعي. يتناول الكاتب أيضًا تحليل بيير بورديو حول "الحقل الفني"، حيث يراه ساحة صراع رمزي بين فاعلين مختلفين يتنافسون على الموارد والسلطة داخل هذا المجال.
يؤكد الكتاب أن الفنانين والنقاد يسعون إلى فرض رؤيتهم للفن على الآخرين، مما يعكس الدور السياسي والاجتماعي للفن في التعبير عن الصراعات والهويات المجتمعية، حيث يعرض الكتاب كيف أن هذا الصراع يسهم في تحديد نوع الفن الذي يبرز في المجتمع وكيف يمكن أن يؤثر في ثقافة المجتمع بشكل عام.
باختصار، يتعرض الكتاب للراغبين في فهم الفن كظاهرة اجتماعية متعددة الأبعاد، فكرة أن الفن لا يعد مجرد نشاط فردي أو ثقافي فحسب، بل هو جزء من شبكة اجتماعية واسعة تشكل وتنظم الأفراد داخل المجتمع، لذا فإن الفن في هذا السياق ليس حياديًا، بل هو قوة اجتماعية تُستخدم لمواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية، وتُعبّر عن قضايا ومشاعر قد تكون مغفلة أو غير مرئية في المجتمع.