نرمين المفتي
ليس التلوث البيئي مشكلة جديدة في العراق، لكنها تفاقمت بشدة ولأسباب عدة لا بد من الانتباه إليها ومحاولة التخطيط، كخطوة أولى، لإيجاد حلول لها، بمشاركة خبراء وبعيدا عن المحاصصة. وأود الإشارة إلى أنني، إذا لم تخني الذاكرة، عملت على تحقيق صحفي عن التلوث في العراق في 1984 لمجلة (الف باء) والذي أكد لي أحد مسؤولي البيئة أن نسبة الغبار الطبيعية في العراق تفوق النسبة المحددة عالميا، وأضاف أن العراق ليس وحده يواجه هذه المشكلة
إنما دول أخرى عديدة سواء في المنطقة أو في العالم، وكان الحل في التخطيط لأحزمة خضراء حول بغداد والمحافظات الأخرى وزيادة عدد الاشجار المعمرة في الغابات الشمالية، خاصة الجبلية والبدء، فضلا عن الأحزمة الخضراء، بالتخطيط لغابات في ضواحي المدن، مثل غابات الموصل والدبس في كركوك. وبالفعل كان العمل قد بدأ في زراعة الاشجار على الطرق الخارجية، لكنها تعثرت بسبب الحرب لتتوقف تماما في بداية التسعينيات.. ولم تتوقف مشاريع الأحزمة الخضراء والغابات، إنما توقفت معها أو قبلها بسنوات مشاريع مجاري المياه الثقيلة، التي كان يفترض ان تربط البيوت بمحطات مثل التي كانت موجودة في بغداد، وكان رمي النفايات المختلفة في نهر دجلة ومن بينها الخاصة بالمستشفيات والمعامل مستمرا في بغداد خاصة. هنا لا أحاول الدفاع عن المؤسسات البيئيّة الحالية التي لم تنتبه على هذه المشكلة الملحة لارتباطها بحياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى، أو تكون قد انتبهت ولأسباب، دائما، توفرها الظروف، استخدمها المتلكئون كذريعة حتى تفاقمت المشكلة.. لا بد من القول إن واحدا من أهم أسباب التلوث يكمن في زيادة عدد السكان بشكل انفجاري وبدون أي تخطيط، ونأمل أن توفر نتائج التعداد السكاني، دافعا للجهات المختصة أن تخطط لكيفية السيطرة على زيادة السكان بأساليب فنية وعلميّة ولا بأس أن تراجع خطط الدول التي كانت تعاني من هذه المشكلة. أن زيادة السكان تسببت في قضيتين حيويتين، أولهما السكن والأخرى النفايات. ونلمس جميعا أن تحويل الحدائق المنزلية إلى بيوت صغيرة تسبب في القضاء على نسبة كبيرة من الحدائق المنزلية في بغداد خاصة، وتسبب الاستثمار في القضاء على نسبة من المتنزهات العامة، ومع زيادة التصحر بسبب عدم توفر أحزمة خضراء وقلة عدد الأشجار والمناطق الخضراء داخل المدن، أصبح التلوث بالغبار، والذي يحتوي على جسيمات صلبة نضرة جدا، مرتفعا.
والثانية هي في ارتفاع نسبة النفايات، ففي تصريح سابق لرئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، فاضل الغراوي، فإن "المواطن يسهم في أكثر من 2 كيلو غرام يوميا من النفايات لتصل نسبة النفايات اليومية إلى 23 مليون طن يوميا، مسببة تلوثا كبيرا في الهواء". كان الدكتور محمد ابو الطيب والخبير في الطاقة المتجددة ويتابع قناته على اليوتيوب مئات الآلاف، كان قبل إحالته على التقاعد قسريا، حين تم اعتماد سن الستين سنة للتقاعد، خبيرا في وزارة الكهرباء وبالفعل بدأ مشروعا تجريبيا في الديوانية لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية، ونجحت التجربة، لكن احالته على التقاعد أبعدته عن مشروعه، فالنفايات طاقة وثروة وهناك دول أوربية، السويد مثلا، تقوم باستيراد ملايين الأطنان من النفايات لإنتاج الطاقة. ولا أدري لماذا توقعت أنه من استقرار الوضع الأمني في بغداد والمحافظات، فإن أمانة بغداد خاصة ومديريات البلديات عامة، ستقوم بتوزيع حاويات بألوان مختلفة، ليقوم المواطن بفصل نفاياته قبل رميها في أماكنها المخصصة للاستفادة منها، سواء في إعادة التدوير أو في إنتاج الأسمدة العضوية، وربما في مرحلة قادمة لإنتاج الطاقة. ومما لا شك به فإن هذه الزيادة غير المنطقية في عدد السيارات تسهم بفاعلية كبيرة في تلوث الهواء، والحل في مفاتحة مديرية المرور العامة لإيقاف بيع الأرقام لشركات استيراد السيارات ومطالبة الذي يشتري سيارة حديثة أن يقوم بتسقيط سيارة قديمة للاستفادة من رقمها، وللعلم فإن هذه الخطوة ستسهم في تقليل نسبة الزحام في الشوارع. وطبعا هناك خطوات استراتيجية وضرورية أخرى من بينها قرارات دولية مثل تصفير نسبة الكاربون المنبعث من مصافي النفط.. كما نرى، فإن مواجهة التلوث ليس بتصريح ينصح بغلق نوافذ البيوت، انما بعمل حقيقي، واجراءات فنية ليست صعبة، طبعا هنا لا أفكر في الفساد، مثل حاويات النفايات الملونة وقطعا ليست مكلفة، لو تم طلب التعاون بين الأمانة والمواطنين.. نقرأ في التقارير الدولية ومن بينها صادرة عن منظمة الصحة العالمية أن التلوث يؤدي سنويا إلى وفاة أكثر من ست ملايين ونصف المليون إنسان في العالم، لا اعرف نسبة هذه الوفيات في العراق، لكنني اعرف انه يتسبب بزيادة عدد مرضى السرطان والجهاز التنفسي عندنا..