ولن يُبنى الهيكل الثالث بجماجم العرب

آراء 2024/11/17
...

  نبيه البرجي

غداة حلول الأمبراطورية الأميركية محل الأمبراطورية البريطانية والأمبراطورية الفرنسية في الشرق الأوسط، تم اطلاق "مبدأ ايزنهاور" عام 1957، لملء الفراغ في هذه المنطقة. قطعاً لم يكن الأميركيون يقصدون "الفراغ التكنولوجي" مثلاً. ولكن ألم يقل أحد منظّريهم ان "مشكلة الشرق الأوسط هي في... ذلك الفائض في التاريخ وفي الأيديولوجيا ؟". أين الفراغ اذاً؟. بعد نحو سبعة عقود على ذلك، لماذا خرائط هذه المنطقة بالذات، دون أي منطقة أخرى في العالم، دائماً على المائدة ؟ المائدة الأميركية التي لا مجال فيها، وفي ظل الاستقطاب الأحادي للبلقنة، لا داعي لسايكس ـ بيكو أخرى، وحيث تقطيع الأوصال لكأنه تقطيع طبق الحلوى، وإن كان الانكليزي أنتوني ايدن قد سأل في وقت لاحق "وهل كان يفترض أن نستخدم فرشاة الاسنان لا السكين في صناعة الدول، بعد أربعة قرون من الوجود العثماني؟".  ها أن بنيامين نتنياهو يعمل لإحلال "أمبراطورية يهوه" حتى محل الأمبراطورية الأميركية، في كلمته أمام الكونغرس في تموز الفائت، أوحى بأنه لولا "إسرائيل" لما كانت أميركا في الشرق الأوسط. هكذا قلنا: "عندما ينتفخ الثور لا الضفدعة" ! في ظنه أن "إسرائيل" هي من تحول دون البرابرة والزحف "مرة أخرى" لتدمير الحضارة الغربية". منذ ظهور "المسألة الشرقية"، لم ينظر الينا الغرب أكثر من كوننا "تلك الكميات البشرية التائهة في الصحارى".  كما العادة، بيننا من راهن على دونالد ترامب، ومن راهن على كامالا هاريس. ما الفارق أن تكون السكين في الخاصرة اليمنى أم في الخاصرة اليسرى؟ نعلم أن مصيرنا بأيديهم، هكذا مصير العالم. اذاً لماذا يقتصر الاختيار على الناخبين الأميركيين دون سائر الكائنات البشرية؟ حتى إشعار آخر. التنين يراقص الكرة الأرضية بأصابع قدميه، لتدق الساعة الكبرى منتصف القرن. في هذه الحال، من يقود الأزمنة ؟ هذه كانت عقدة الآلهة الاغريق.. الآن، أي نوع من الآلهة؟.
 صرخنا "يا للهول انه دونالد ترامب". العائد إلى البيت الأبيض فوق عظام جو بايدن. فارق شاسع بين الآتي من أروقة الكابيتول، حيث الكثير من الرؤوس العفنة، والآتي من أرصفة لاس فيغاس، حيث ضوضاء الروك اند رول تملأ المكان، هو هذا النموذج الأفضل لقيادة الأمبراطورية. وكان الفيلسوف الفرنسي لوي آلتوسير يقول: إن الأميركيين "يستشيرون الثيران في اختيار رؤسائهم"، مع أن الدستور، كـ"نصوص تحلق في الهواء"، أناط تلك المهمة بالملائكة.
 منذ اللحظة الأولى لدخوله إلى المكتب البيضاوي، بدا جو بايدن مسكوناً بشبح دونالد ترامب. ما فعله، وهو يلفظ الآن أنفاسه الأخيرة، ويعد أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. أنه شق الطريق بالنيران أمام سلفه وخلفه، ليستكمل دومينو التطبيع، وصولاً إلى آخر مكان والى آخر رأس في الشرق الأوسط. هذا ما يمكن أن يحدث. كان على ديفيد أغناثيوس أن يكتب "لكأن ترامب كان يقيم في شقوق الجدران في البيت الأبيض".
 يفترض أن يحدث ذلك وفق الرؤية الأميركية، بثقافة وول ستريت، أم وفق الرؤية الإسرائيلية بثقافة حائط المبكى؟ الآن ثمة رجل على رأس الأمبراطورية أكثر نرجسية بكثير من زعيم الليكود. انه التسونامي الذي خرج من صناديق الاقتراع مثلما خرج المارد من مصباح علاء الدين، ليجعل العالم يتابع بذهول - أو برهبة- كل كلمة تصدر عنه. أوليفيه روا تحدث عن القارة العجوز التي أصيبت بالدوار، وإن كان ترامب يمكن أن ينقذها من الأعباء المالية والعسكرية الهائلة في أوكرانيا.  لا أحد مثله من الرؤساء استبدل، ولأكثر من مرة، وزراء الخارجية والدفاع، وكذلك مستشارو الأمن القومي، وغيرهم من المستشارين، مثلما يستبدل ملابسه الداخلية.  مستشاره السابق ستيف بانون قال "لولا المقتضيات اللوجستية والعملانية لآثر أن يبقى وحيداً في البيت الأبيض. الأولوية لـ"الأميركي الأعظم" على "أميركا العظمى". جان ـ ماري غيهيون     ، مدير "مجموعة الأزمات الدولية" يخشى أن يقرر ترامب، كما أي دكتاتور آخر، الإصرار على البقاء في البيت الأبيض، وإن كان يتوجس من محاولة اغتيال ثالثة قد تكون مختلفة لمحاولته مقاربة قضايا دولية بالغة الحساسية بأسلوبه هو، لا كما يريد أصحاب الشأن أو بعضهم على الأقل..  لماذا اختاره الناخبون؟ أحدهم لقناة "فوكس نيوز": لأن أميركا بيضاء، وشعرها أحمر"، وهو، في نظره "لون الآلهة"، اذ كيف للأميركي الذي يلاحق بشغف حصان الكاوبوي وهو يسابق الريح أن يأتي بامرأة، امرأة ملونة للمكتب البيضاوي الذي هو أيضاً "مقر الآلهة"؟  أكثر من ذلك، "انه الوحيد الذي يستطيع تغيير دوران الكرة الأرضية". ليس فقط الكائن البشري الذي يخرج النيران من أذنيه، النيران قد تخرج من قدميه أيضاً. يرى أن فلاديمير بوتين يخاف من الصين، التي تجثم على حدوده أكثر من خوفه من أميركا، وبينهما مضيق بيرنغ، حيث طيور البطريق تنقل "رسائل الحب" بين الكرملين والبيت الأبيض". اشارات محدودة إلى الشرق الأوسط، وصفه ول ديورانت بـ"مقبرة الأمبراطوريات". المشهد هناك تغير كثيراً. لننتظر من أين، وكيف يدخل إلى الحلبة، وهو الذي لم يتلفظ يوماً بعبارة "الدولة الفلسطينية"، بل بتوسيع الدولة العبرية. ولكن ألم يقل له وزير دفاعه السابق الجنرال جيمس ماتيس "اياك ومراقصة القبور"؟ هو الرجل الذي، بالرغم من كل الضجيج الذي في رأسه، كاد يرقص التانغو مع كيم جونغ ـ أون بسبب القنبلة النووية في جيب الزعيم الكوري الشمالي. فريد زكريا، المعلق الأميركي من أصل هندي، وصف الفلسطيني بـ"الكائن النووي". كل فلسطيني، سواء كان حياً أو ميتاً، هو قنبلة نووية..
 لنتوقف عند سؤال قديم للإسرائيلي يوري أفنيري "أي هيروشيما تنتظرنا عند ذلك المفترق ؟؟"