ماذا صنعت لنا الحروب؟

آراء 2024/11/24
...

 د. أثير ناظم الجاسور

من بديهيات الحروب المعاناة التي ترافق الجميع، سواء المنتصر أو الخاسر فهي حرب بالنهاية، ملؤها قتلى وجرحى ومفقودون ومدن مدمرة لا حياة فيها، أشجارها محترقة وطرقها المعبدة باتت تحتضن بؤس من لا مأوى لهم إلخ... من الصور التي تعبر عن قساوة المشاهد، التي يفسرها كل على ما يراه، بالتالي انقسمت الأجيال بين جيل حارب وجيل شاهد وكتب عن الحرب وجيل ثالث لم يرها، وسمع عنها وعاش نتاجها

في بلدنا على سبيل المثال استوقفتني صورة يرويها السينارست العراقي حامد المالكي، وهو يتحدث عن مرحلة الحرب العراقية – الإيرانية، وهو يصف مرحلة مؤلمة من حياة العراقيين كيف إن السيارة التي تحمل نعش الجندي وهي تسير في وسط شارع حي سكني، والناس تترقب عند اي باب ستقف هذه السيارة، لتعلن نهاية حياة الأب أو الابن أو الزوج الخ.... من مراحل القرابة، صورة قد تكون واحدة من مجموعة صور تشكلت في ذاكرتنا عن واحدة من حروب كانت بداية لما بعد مآسيها، وهو الحال في بلاد العرب منذ اعلان السير نحو تحقيق النجاح العربي ولغاية يومنا هذا، الذي يصدر لنا كل يوم عشرات الشهداء من المدنيين بمختلف الأعمار والاجناس، صناعة الحرب حرفة القتلة اما المقتول على محراب خيباته بات هو المشروع والمنجز معاً، حتى باتت قنوات العرب وصحفهم لا تستطيع إجراء تعداد يومي للأموات لأنهم في دورة يومية متكاملة، وهذا ما حدث سابقا ويحدث اليوم في فلسطين ولبنان، ونحن نشاهد الاشلاء المتطايرة مع حجارة المباني، هو الحال والمراسل ينقل صورا ومشاهد بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، لنبدأ بأخذ نفس عميق، لنعد الجرحى والموتى مع فارق نسب المفقودين.

الصورة الأكثر رعباً هي تلك التي تترك كل ما انتجته الحرب من هلاك ودمار، لتركز على صانع النصر والبطل الذي قاد الأمة للنصر المُهلك، لم تقف عند هذا الحد فلا جدوى من الحديث عن عسكر وقائد بقدر ما انتجت كارثة التحولات، التي طرأت على المجتمع الخائف من نتاج الأعلى المتعالي، نتاج كل حرب خوف وقهر وجوع وانتصار رمزي لا محل له من الامجاد، التاريخ يُحدثنا عن تلك الشعوب، التي كانت الحرب سمتها واداتها، بالرغم من فقد الملايين من البشر والمساحات الشاسعة من الأراضي ناهيك عن انهيار هذه الدولة أو تلك، فالتاريخ لا يكرر نفسه بل آلة الحرب تكرر متعطشيها وبائسيها في كل مرحلة ملعونه تسحق كل ما للإنسان من حياة، فالصراعات المبنية على الايديولوجيا والقيم والمفاهيم الإنسانية، التي على الأغلب تُصنف في خانة الشعارات ما هي بالمحصلة الا اما حجة لتحقيق مصلحة أو صورة يوهم من قام بوضع خطوطها بالوانه الباهته أنها نموذج، نعم هي صناعة بكل المقاييس فلا قدرة من لا قدرة له ولا حياة من لا يمتلك القوة ولا انتصار مهما كانت نتائجه، من لا يمتلك القدرة على القتل، هي صناعة وهم وخيال لحياة إنسانية تصنعها الحروب تقع ضمن التخطيط والرسم والادلجة والتقسيم الذي بات خطر يهدد كل كيان يحاول ان يتجاوز حدود وضعت وقواعد خطت بقلم ذلك القوي المتمكن المالك لعناصر القدرة على العقاب.

تجارب ونماذج تم الإعلان عنها ضمن مفهوم الحرب، وما ستنتجه الحرب من ارساء قيم مغايرة قيم ذات معانٍ مختلفة بعيدة عن فكرة الاستقرار والنهوض والاستمرار، هذا ما حدثنا به القوي، سواء بممارساته السياسية والاقتصادية أو بممارساته المثالية ذات البعد المصلحي، فكل مرحلة تلت حرب ساهمت بترسيخ قوته وسيطرته من خلال المحاولة المستمرة التي تعمل على غرس قيمه، التي باتت دستورا وقبلة للشعوب المستقرة وغير المستقرة، سؤال وآخر وعشرات تراود كل من يُفكر بما الت اليه الأوضاع في العراق وفي بلدان عربية اخرى بسبب الحروب ومشعليها؟، لا ننكر أن ما بداخلنا صنع جزءا كبيرا من كوارثنا ومخيلتنا المليئة بالامجاد المراد من دثرها ساعدت على تأكيد الخيبات، نعم لم نمت بعد ولم تمت قضايانا لكننا مشروع مؤجل لمرحلة قادمة تحمل في طياتها كل ما نحلم به في علبة مرسوم عليها صور لاطفال ولنساء وشيوخ وجماعات مشردة هنا وهناك صنعت الحروب لهم مخيمات لجوء ومناطق جغرافية، محرم فيها القتال محرم فيها كل ما له علاقة بالحياة الادمية، يا سادة ما صنعته الحروب وبكل وضوح قاتل طليق ومقتول تحت الارض ومجاميع 

بالضرورة قتلى مؤجلون.