أ.د. قاسم حسين صالح
كانت بغداد زمن ولاية الخليفة العباسي المأمون (813 - 833 م) عاصمة الدنيا في الثقافة والعلم، ففيها بلغت حركة ترجمة الكتب إلى العربية أوجّها، في سابقة ما حصلت قبل زمانه ولا بعده أنَّ المأمون كان يعطي المترجمين والمؤلفين ثقل أوزان كتبهم ذهباً، فتحولت اللغة العربيَّة في عصره من مجرد لغة شعرٍ وأدبٍ إلى لغة علمٍ وفلسفة.
وفي مكانٍ بعيدٍ في خوارزم (اوزبكستان حالياً) كان هناك شابٌّ ذكيٌ طموحٌ اسمه (محمد بن موسى الخوارزمي) قرأ عن بغداد فأدرك أنَّها الفضاء الذي سيحققُ فيه آفاق طموحه، فشدَّ الرحالَ إليها، والتقى الخليفة المأمون.
كان كلاهما، المأمون والخوارزمي، يمتلكان من الثقافة والعلم آفاقاً واسعة، وأدرك المأمون أنَّه قد وجد ما كان يبحث عنه، فعينه مشرفاً على (مكتبة المأمون) وعضواً في (دار الحكمة) التي أنجز فيها معظم أبحاثه، وسكن بغداد واستقرَّ فيها ولم يعد الى بلاد فارس التي ولد فيها بعد أنْ وجد في بغداد وطنه وفضاء عقله المتعدد المواهب.
كان عقل الخوارزمي استثناءً، ليس في تاريخ العرب والمسلمين، بل والعالم أيضاً، ومع أنَّه يعدُّ من أوائل علماء الرياضيات المسلمين، فإنَّه ابتكر عِلماً جديداً بعنوان (علم الجبر) في أعظم عملٍ رياضي هو كتاب (حساب الجبر والمقابلة) الذي ترجم الى اللغة اللاتينيَّة مرتين في القرن الثاني عشر، وفيه حلولٌ مبتكرة لمئات من المعادلات التربيعيَّة، والأبدع من ذلك أنَّه أسَّسَ عِلماً جديداً في الرياضيات اسمه (الخوارزمية) التي اعتمد عليها مبتكرو الذكاء الاصطناعي رغم أنَّهم يفصلهم عنها أكثر من ألف عامٍ شهدَ فيه العالم أكثر من ألف عالم.
والحق نقول: كان يصعب القول بأنَّ الذكاء الاصطناعي ما كان ليكون لولا الخوارزمي، فإنَّه لا خلاف بيننا إذا قلنا إنَّ اعتماده على الخوارزميات يسّرَ وسرّع نجاحه في أنْ يكون أكبر ثورة تحاكي الذكاء البشري وتتفوق عليه في عصر التكنولوجيا التي أحدثت تغييراتٍ كبيرة في عالم اليوم.
والمؤسف أنَّ انشغال وسائل الإعلام بالتعريف بالذكاء الاصطناعي ومبتكريه والمروجين له والمستفيدين منه عملياً، فإنَّه لا أحد يذكر أو يعرف أنَّ الخوارزميات التي اعتمدها مبتكرو هذا الذكاء تعود لعالم رياضيات عراقي اسمه الخوارزمي.
يذكر أنَّني زرت الاندلس وغرناطة، وأدهشني أنَّني رأيت في ساحاتها تماثيل لعلماء عرب (ابن رشد مثالاً) مع أنَّ العرب احتلوها وفعلوا ما فعلوا، وعليه فإنَّنا ندعو أمانة بغداد باسم جريدة (الصباح) الى إقامة تمثال للخوارزمي بمكانٍ بارزٍ في الحبيبة بغداد يكتب تحته:
---------------------------------------------
محمد بن موسى الخوارزمي
164- 232 هج
781- 847 م
اعتمد الذكاء الاصطناعي على خوارزميات الخوارزمي