المخالفات المروريَّة.. واقعٌ مريرٌ يكشف عن غياب الوعي وضعف التوعية
بغداد : فجر محمد
تصوير: علي قاسم
الإحصائية نصف السنوية التي أعلنتها مديرية المرور العامة مؤخراً، عن عدد المخالفات المرورية، والتي بلغت نحو مليوني مخالفة، تعكس حجم المشكلة التي يعاني منها قطاع المرور. هذه الإحصائية تثير العديد من التساؤلات حول الأسباب الرئيسة التي تقف وراء هذه المخالفات المتزايدة، والتي بدورها تسهم في زيادة الحوادث المرورية.
السائق حسين يوسف (25 عاماً)، يعمل في مجال نقل المواد الغذائية، يؤكد التزامه الدائم بالقوانين المرورية، وهو ما يعكس حرصه على احترام الكاميرات الذكية التي تم نصبها مؤخراً في التقاطعات الرئيسة في بغداد. يقول حسين: "في البداية، كانت فكرة وجود كاميرات مراقبة في التقاطعات جديدة وغير مألوفة، وكان هناك الكثير من السائقين الذين لا يتفاعلون معها بشكل جاد، لكن مع مرور الوقت بدأ أغلب السائقين يلتزمون بالقوانين، بينما استمر آخرون في مخالفتها". هذه التجربة تشير إلى أن هناك تغييرات في سلوك السائقين، ولكنها لا تحدث بالسرعة التي يتوقعها البعض.
بحسب الإحصائيات التي أعلنتها مديرية المرور العامة، استمرت المخالفات في الارتفاع رغم تزايد الجهود الحكومية لتنظيم المرور من خلال استخدام رادارات تحديد السرعة، والكاميرات الذكية، والمفارز المرورية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تزداد المخالفات رغم هذه الإجراءات؟.
ضحايا الحوادث
الإحصائية التي أعلنتها دائرة الطب العدلي، تشير إلى تصاعد عدد ضحايا الحوادث المرورية في محافظة بغداد، و وفقاً للتقرير الرسمي الصادر عن الدائرة، تم تسجيل أكثر من 69 حالة وفاة بسبب الحوادث المرورية التي وقعت في شهر آب الماضي. وأوضح الدكتور عبد الوهاب عصام، مدير قسم فحص الأموات في دائرة الطب العدلي: أن الإحصائيات التي تم جمعها تشير إلى أن هذه الحوادث تنوعت بين انقلاب سيارات، وحوادث سير، واصطدامات، وكلها أسفرت عن وفيات، وقد تم تسجيلها من قبل الجهات التحقيقية والقضائية.
وأشار عصام إلى أن حوادث المرور تبقى من أبرز المشكلات التي تسبب الخسائر البشرية في البلاد، حيث تتكرر بشكل ملحوظ، ما يسبب قلقاً كبيراً لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء. وقد عزت الدائرة هذا التصاعد في الحوادث إلى العديد من الأسباب، أبرزها عدم التزام السائقين بالإجراءات الاحترازية الضرورية لضمان السلامة على الطرق، وعدم الالتزام بقوانين المرور، إضافة إلى السرعة المفرطة وعدم وجود الرقابة الكافية على الطرق الخارجية.
التنشئة الاجتماعيَّة
ولعل الحديث عن الحوادث المرورية لا يمكن أن يغفل عن المخاطر التي تهدد حياة المواطنين يومياً. المعلمة ندى عبد الله (35 عاماً) تعمل في إحدى المدارس الواقعة في شارع رئيس في بغداد، حيث تثير مشكلات المرور مخاوفها. تقول ندى: "أخشى أن أكون ضحية للسرعة الجنونية لبعض السائقين، خصوصاً مع تواجد الطلاب الذين يعبرون الشارع يوميًا". وتتابع قائلة: "في بعض الأحيان، يلتزم السائقون بالقوانين، ولكن هناك من لا يحترم القوانين ويقود بسرعة كبيرة، ما يعرض حياة الجميع للخطر".
الدكتورة ناز بدرخان السندي، عميد كلية التربية بجامعة التراث، تؤكد أن التنشئة الاجتماعية هي أحد العوامل الأساسية التي تحدد سلوك الأفراد في المجتمع. وتوضح السندي أن "الالتزام بالقوانين يبدأ منذ الطفولة، والأمر يعود إلى الأسرة التي تقع على عاتقها مسؤولية تربية الأطفال على احترام القانون". وتضيف السندي أن الأسرة يجب أن تزرع في نفوس أطفالها القيم الأساسية مثل الالتزام والصدق والاحترام، وهي القيم التي قد تسهم في الحد من المخالفات المرورية في المستقبل.
البنى التحتية للطرق
المواطن علي فياض (40 عاماً)، يرى أن المشكلة لا تتعلق فقط بالوعي الفردي، بل بتوفير البنية التحتية المناسبة. يقول فياض: "عندما تتوفر الطرق المؤهلة والإشارات المرورية المناسبة، سأكون أول الملتزمين بالقوانين، لكن الواقع يختلف تماماً". ويشير فياض إلى أن غياب التخطيط السليم في بعض مناطق العاصمة، واكتظاظ الشوارع بالزحام، يجعلان السائقين يتجاهلون أحياناً القوانين ويسعون للتهرب منها لتوفير الوقت.
وفي هذا السياق، يرى الخبير القانوني محمد حسن السلامي أن من الضروري توفير البيئة المناسبة التي تشجع المواطنين على الالتزام بالقوانين. ويقول السلامي: "تطبيق القوانين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبنية التحتية. إذا كانت الطرق منظمة ومجهزة بشكل جيد، فسيكون هناك حافز أكبر لدى المواطن للالتزام بالقوانين".
كما يوضح أن هناك حاجة ملحة لإنشاء مدارس لتعليم القيادة وتعريف السائقين بالقوانين المرورية بشكل عملي، لا سيما في ظل كثرة المخالفات التي تُسجل بشكل يومي.
السلطة والوعي
الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية، ولي الخفاجي، يسلط الضوء على مشكلة أعمق في المجتمع العراقي، وهي العلاقة المتوترة بين المواطن والسلطة. ويقول الخفاجي: "التنشئة الاجتماعية والبيئة المحيطة تلعبان دورًا كبيرًا في سلوك المواطن، الذي يربط في كثير من الأحيان مخالفته للقوانين بمشكلات أخرى مثل نقص الخدمات أو فرص العمل". ويشير الخفاجي إلى أن "هذه العوامل تؤدي إلى شعور المواطن بأنه في صراع دائم مع السلطة، ما يدفعه في بعض الأحيان إلى مخالفة القوانين، بما في ذلك القوانين المرورية". ويضيف أن سلوك المخالفة قد لا يكون وليد اللحظة، بل هو امتداد لسلوكيات قديمة كانت تظهر في تصرفات مختلفة، مثل العبث بالمرافق العامة أو تدمير الممتلكات العامة.
إحصائيات التخطيط
إحصائية رسمية لوزارة التخطيط، تؤشر ارتفاع نسبة الحوادث المرورية في العراق، بنسبة (0.3 %)، تسببت بوفاة أكثر من (3) آلاف ضحية، خلال العام الماضي 2023.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن التقرير الذي أصدرته هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية، أظهر أن عدد الحوادث المرورية المسجلة خلال العام 2023، بلغ (11552) حادثاً، منها (3262) حادثاً مميتاً، بنسبة
(28.2 %) وغير مميت (8290) حادثاً وبنسبة (71.8 %) للمحافظات كافة عدا إقليم كردستان، مقابل (11523) حادثاً في سنة 2022 وبارتفاع بلغت نسبته (0.3 %) .
ولفت المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إلى أن تلك الحوادث تسببت بوفاة (3019) ضحية منهم (2472) متوفى من الذكور وبنسبة (81.9 %) والإناث (547) ضحية بنسبة (18.1 %) من المجموع الكلي للوفيات.
أما بالنسبة للجرحى المصابين بحوادث المرور لسنة 2023 فقد بلغ عددهم (12314) مصاباً مسجلاً نسبة انخفاض مقدارها (2.9 %) عن سنة 2022 حيث كانت (12677) جريحاً، مضيفاً أن حوادث الاصطدام سجلت أعلى نسبة خلال سنة 2023 حيث بلغت (6519) حادثاً بنسبة (56.4 %) من مجموع الحوادث البالغ عددها (11552) حادثاً تليها حوادث الدهس بواقع (3912) حادثاً بنسبة
(33.9 %) ثم حوادث الانقلاب (926) حادثاً بنسبة (8 %) أما الحوادث الأخرى فبلغت (195) حادثاً وشكلت نسبة (1.7 %).
إحصائيات رسميَّة
رصدت مديرية المرور العامة مؤخراً نحو مليوني مخالفة مرورية في العراق، وفقاً لإحصائيات أُعلنت حديثاً. وفي تصريح خاص لـ"الصباح"، قال العقيد حيدر محمد الوائلي، مدير علاقات وإعلام المرور: إن وزارة الداخلية اتبعت آليات عدة لتقليل الحوادث، منها نصب الكاميرات الذكية على تقاطعات الشوارع وتنفيذ برامج توعية عبر الإعلام المتلفز ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الإجراءات أسهمت في خفض الحوادث بشكل ملحوظ.
وأضاف الوائلي أن مفارز المرور مستمرة في توزيع "البروشورات" التثقيفية بين السائقين، مشدداً على أهمية الابتعاد عن السرعة المفرطة لتجنب الحوادث المميتة. وأوضح أن الغرامات المرورية تندرج ضمن إجراءات تحذيرية تهدف إلى زيادة الوعي لدى السائقين بضرورة الالتزام بالقوانين.
وأشار الوائلي إلى أن المديرية قد شرعت في تثقيف أولياء الأمور والطلبة والمدارس قبل بدء العام الدراسي، وخصصت مفارز مرورية على الطرق السريعة وفي المناطق التي تفتقر للمجسرات للحفاظ على سلامة الطلبة. كما تم تعزيز التوعية بضرورة
تجنب استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة.
في النهاية، تبقى مشكلة الحوادث المرورية، قضية معقدة تتطلب جهوداً من جميع الأطراف. فبينما تستمر المخالفات في الارتفاع والضحايا في الزيادة، يبقى الأمل في تحسين البنية التحتية وتوفير التوعية السليمة، ما قد يسهم في تقليص هذه الأزمات المرورية التي أصبحت تهدد سلامة المواطنين.