بغداد 2025 .. وجهة سياحية جديدة على خارطة العالم العربي
بغداد : سرور العلي
تصوير: خضير العتابي
بغداد، عاصمة العراق العريقة، أصبحت على أعتاب مرحلة جديدة ومهمة في مجال السياحة، بعد أن تم اختيارها عاصمة للسياحة العربية لعام 2025. هذا اللقب التاريخي، الذي حصلت عليه بغداد بعد اجتيازها المعايير الصارمة التي وضعتها المنظمة العربية للسياحة، يمثل تحولاً مهماً في مسار قطاع السياحة في البلاد. فهو ليس مجرد عنوان أو لقب شرفي، بل فرصة استراتيجية لتعزيز مكانة بغداد في الساحة السياحية العالمية، وتطوير قطاع حيوي يمكن أن يكون أحد المحركات الاقتصادية الوطنية في السنوات المقبلة.
• كيف تم اختيار بغداد؟
المنظمة العربية للسياحة، وخلال اجتماعها الدوري في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أعلنت اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، بعد اجتياز المدينة معايير دقيقة وشاملة. وفي هذا السياق، تحدث بندر بن فهد آل فهيد، رئيس المنظمة العربية للسياحة، قائلاً: "اختيار بغداد لم يكن صدفة، بل نتيجة لإعداد ملف متكامل يعكس الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها المدينة في مجال السياحة".
وأضاف "لقد اجتازت بغداد معايير قوية تتعلق بالبنية التحتية، وتنوع الأنماط السياحية، والموارد السياحية، إلى جانب الاستقرار الأمني، الذي يعدُّ عاملاً حاسماً في صناعة السياحة" .
وأشار آل فهيد إلى أن "المنظمة العربية للسياحة ترحب بهذا الاختيار، وتتطلع إلى رؤية بغداد تنمو وتزدهر في ظل هذا اللقب، والذي سيُسهم في إعادة بغداد إلى مكانتها الطبيعية كوجهة سياحية وثقافية رائدة في المنطقة" .
• بغداد.. تاريخ وحضارة
تتمتع بغداد بتراث ثقافي وتاريخي غني جعلها واحدة من أقدم مدن العالم وأهمها، من طاق كسرى الذي يعدُّ أكبر قوس تاريخي في العالم، إلى المدرسة المستنصرية التي تعتبر أقدم جامعة في العصر الإسلامي، لتحكي تاريخ مدينة تزخر بالمعالم التاريخية والحضارية التي تروي قصة آلاف السنين من التطور والازدهار.
وقال الدكتور أحمد فكاك البدراني، وزير الثقافة والسياحة والآثار: إن "بغداد تحتفظ بكل المقومات التي تجعلها مركزاً سياحياً عالمياً. لدينا المتحف العراقي الذي يعدُّ من أفضل المتاحف في العالم، وزقورة عقرقوف، والمقاهي والأسواق القديمة التي كانت وما زالت تمثل جزءاً من هوية بغداد الثقافية".
وأضاف أن "هذه المعالم تمثل فرصة حقيقية لإعادة إحياء السياحة الثقافية في المدينة، والتي من المتوقع أن تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم" .
• الدعم الحكومي لملف بغداد
لعبت الحكومة دوراً أساسياً في تأمين دعم قطاع السياحة، والتي أثمرت عن اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية، وفقاً لمستشار رئيس الوزراء لشؤون السياحة والآثار عمر حسن العلوي، موضحاً في تصريح لـ"الصباح"، "أن دعم رئيس مجلس الوزراء، واهتمام الحكومة بتطوير قطاع السياحة، كان له دور بارز في هذا الاختيار".
وأشار العلوي إلى أن "بغداد أصبحت جاهزة لاستقبال الزوار من داخل المنطقة وخارجها بفضل التحديثات الكبيرة التي شهدتها في البنية التحتية والقطاع السياحي بشكل عام"، منوهاً بأن "هذه فرصة حقيقية لتحسين صورة العراق على المستوى الدولي، ونحن على استعداد لإظهار جمال بغداد التاريخي وتوفير بيئة سياحية آمنة ومتطورة" .
• التسويق السياحي
إحدى أهم القضايا التي يجب التركيز عليها بعد اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية هي استراتيجيات التسويق السياحي. وفي هذا الصدد، يقول علي ياسين عبد الرضا، مدير العلاقات الدولية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار،: إن "المنظمة العربية للسياحة سوف تشارك في التسويق لبغداد على المستوى الدولي من خلال فعاليات سياحية عالمية، مثل معارض السياحة الدولية التي تُقام في لندن وبرلين ودبي". وأوضح عبد الرضا لـ"الصباح"، أن هذه المعارض ستكون فرصة رائعة لتغيير الصورة النمطية عن العراق، والترويج له كوجهة سياحية آمنة ومتجددة.
وتابع عبد الرضا "بغداد ليست فقط مدينة تاريخية، بل هي مدينة حية نابضة بالحياة تقدم للسائح تجارب فريدة من نوعها في مجال الثقافة والفن، وهذا ما سنعمل على تسويقه للعالم" .
• من الترويج إلى التنمية
من المتوقع أن تشهد بغداد عام 2025 العديد من الفعاليات والأنشطة السياحية التي ستركز على التنوع الثقافي والتاريخي للمدينة. وقال الدكتور مهند الشحماني، نائب السفير العراقي في القاهرة، في تصريح لـ"الصباح": "سيتم تنظيم مهرجانات ثقافية، ومعارض فنية، وفعاليات موسيقية ودينية في بغداد طوال العام، مما سيتيح للمواطنين العرب والدوليين فرصة للاستمتاع بمقومات بغداد السياحية في سياق ثقافي واجتماعي غني" .
كما سيشهد العام 2025 استضافة العديد من المنتديات السياحية التي ستحضرها شخصيات ثقافية وفنية من مختلف أنحاء العالم، في خطوة تهدف إلى تعزيز العلاقات السياحية بين الدول العربية، وتعريف العالم بحضارة بغداد.
• الاستثمار السياحي والاستقرار الأمني
اختيار بغداد عاصمة السياحة، جاء نتيجة الاستقرار الأمني، الذي يشكل أبرز عوامل نجاح القطاع السياحي. في هذا الصدد، يقول الدكتور محمد عودة العبيدي، نقيب السياحيين العراقيين: "الاستقرار الأمني في العراق أصبح أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها صناعة السياحة. وقد بذلت الحكومة جهوداً كبيرة في هذا المجال، والنتائج بدأت تظهر على الأرض" .
وأكد العبيدي لـ"الصباح" أن هذا الحدث يجب أن يكون "فرصة لتعزيز الاستثمار السياحي" في العراق. وقال: "إن إقرار بغداد عاصمة للسياحة العربية سيفتح الباب للاستثمارات السياحية، سواء في إنشاء فنادق جديدة أو منتجعات سياحية أو حتى في تطوير القطاع الخاص ليكون جزءاً من هذه التنمية المستدامة" .
كما أشار العبيدي إلى أهمية "استثمار هذه الفرصة لبناء المناطق السياحية الجديدة في العراق، وتنمية البنى التحتية اللازمة لجعل السياحة تنافس السياحة العالمية، من خلال توفير فرص عمل جديدة، وتدريب الكوادر المؤهلة في السياحة والفندقة" .
• الثقافة والوعي السياحي
الشاعر والتربوي حسين علي رهيف، أكد لـ"الصباح" أهمية نشر الوعي السياحي بين المواطنين، خاصة من خلال المنظومة التعليمية. وقال: "من المهم أن يتعلم شبابنا في المدارس والجامعات عن تاريخ بغداد وجمالها السياحي. كما أنه من الضروري أن تُدرج المعالم السياحية في المناهج الدراسية، وتنظَّم رحلات مدرسية للتعرف عليها" .
كما شدَّد رهيف على أهمية الترويج الرقمي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف العالم بحضارة بغداد. وأضاف: "يجب أن نستخدم جميع الأدوات الرقمية المتاحة للترويج لبغداد كوجهة سياحية متميزة، وأن يكون هناك حضور قوي على منصات التواصل الاجتماعي مثل انستغرام وفيسبوك وتيك توك، ليتمكن السائحون من رؤية الجمال الحقيقي للمدينة" .
إن اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025 يمثل نقطة انطلاق نحو تنمية اقتصادية، من خلال الاستثمار في قطاع السياحة، الذي يعدُّ أحد أهم القطاعات التي يمكن أن تُسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للبلد، وتوفير آلاف فرص العمل.
بغداد، بتاريخها العريق، وثقافتها الغنية، ومعالمها السياحية الفريدة، تستحق أن تكون عاصمة للسياحة العربية، وستظل مركزاً ثقافياً وحضارياً مهماً في العالم العربي والعالمي.