ساحر ستالين

ثقافة 2019/07/01
...

 
جمال جمعة
 
أرادَ والداي، يا سيّدي، أن أصبحَ حاخاماً
فأرسلاني إلى مدرسةٍ دينيّةٍ، 
ولكنّ ذلك لم يرُقْ لي،
فقد كنتُ دائماً أرى 
أنّ لديَّ مهمّةً أخرى، لذلك هربتُ
وبكلِّ بساطةٍ صعدتُ أوّلَ قطارٍ صادفني.
وما حدثَ بعد ذلك في القطار غيّرَ مجرى حياتي،
إذْ لم تكن لديَّ نقودٌ لشراءِ تذكرةِ سَفَرٍ، 
فاختبأتُ تحت أحدِ المقاعدِ هرباً من المفتّشِ، 
ولكنّ الأخيرَ وجَدَني على الرغم من ذلك، 
فَسَحَبَني من تحت المقعدِ من ياقتي 
وطلبَ منّي التذكرة.
عندئذٍ مددتُ له قطعةً من جريدةٍ قديمة
فثقبها المفتّشُ قائلاً: 
“يا لَكَ مِن مجنون، لديكَ تذكرةٌ وتختبئ؟!”. 
وهكذا أدركتُ للمرّةِ الأولى
أنني أستطيع التحكُّمَ بعقولِ الناسِ
وأن أُوحي لهم بما أريد..
بقيَ ستالين صامتاً لوهلةٍ،
بعد أن توقّفَ الساحرُ عن الكلام. 
شفَطَ نَفَسين من غَليونهِ ثمّ نَفَثهما في الهواءِ 
قبل أن يضعَ راحتَه الضخمةَ على كتفِ الساحرِ
ويقولَ له بصوتٍ وَقُورٍ:
“أظنُّ بأننا سنحتاجُ لخدماتكَ في بناءِ دولتنا، أيّها الرفيق”.
ومنذُ ذلك اليوم أشرقت الحياةُ في الوطنِ العظيمِ
فالسهوبُ أصبحت تفيضُ بالغِلالِ، والمعاملُ تزدهرُ
وكان الجميعُ سُعداءَ بما أصبحوا عليه
حتى حُجَرهم الصغيرة 
التي كانوا يتقاسمون الحياةَ فيها مع الجُرذان
أضحت قصوراً فخمةً ذات مسابحَ ورَدهات 
تُفضي مخارجُها إلى متنزّهاتٍ تُضاهيَ الفِردَوس
إلى أن ماتَ الساحرُ
ليستيقظَ الناسُ فجأةً 
وهم لا يجدونَ على طاولةِ طعامهم شيئاً
باستثناءِ قُصاصاتٍ من صُحُفٍ قديمةٍ
ثَقَبتها الجُرذان.