صناعة الماس في المختبر.. ثورة في عالم المجوهرات
آلي كارين
راشيل ليرمان
لوسي نالاند
أودري فالبوينا
ترجمة: أنيس الصفار
من أجل أن تتكون ماسة في أعماق الأرض يتطلب الأمر ضغطاً عظيماً ودرجات حرارة تفوق 2000 درجة مئوية. لكن ثمة طريقة أخرى في هذه الأيام لخلق هذه الماسة، وهي تتم في المختبر حيث يمكن أن تنمو من بذرة صغيرة لتتحول إلى قطعة مجوهرات تعرض للبيع في غضون أسابيع لا أكثر.
رغم أن الماس المنتج مختبرياً كان في التداول منذ خمسينات القرن الماضي فإن شعبيته لم ترتفع إلا في السنوات الخمس الأخيرة حتى بات يشكل نسبة تقارب 20 بالمئة من سوق الماس العالمي على اساس قيمة المبيعات، وفقاً لمحلل صناعة الماس "بول زيمنسكي".
هذا الماس يتسم عادة بأنه أرخص ثمناً بكثير من الأحجار الطبيعية حسب بيانات شركة "تينورس" لتحليلات المجوهرات، كما أن الزبائن اخذوا يزدادون انجذاباً إلى هذه الأسعار المنخفضة. علاوة على ذلك يوفر الماس الصناعي بديلاً عن الماس المستخرج طبيعياً الذي أصبح خاضعاً للملاحقة الأخلاقية.
تقول "آنّا مايك أندرسون"، مؤسسة شركة "ميا دونّا" للماس المنتج مختبرياً، إن التصاعد الشديد في اهتمام المستهلكين أوجد منافسة شديدة في حقل الماس المنتج في المختبر. فهذه الجواهر غدت قريبة الشبه جداً بالاحجار الطبيعية إلى درجة أن هيئة التجارة الفدرالية اضطرت في العام 2018 إلى تغيير دليل المجوهرات الذي تصدره بحذف كلمة "طبيعي" من التعريف العام للماس، وصار الأمر يتطلب معدات خاصة لتمييز الفرق.
كيف إذن تزرع الماسات في المختبر؟
للإجابة على هذا السؤال زرنا شركة "كليرتي دايموند" وهي إحدى الشركات القليلة التي تعمل في مجال صناعة الماس مختبرياً في الولايات المتحدة.
مولد ماسة
الماسة التي تنمّى في المختبر ليست من صنع الانسان بالكامل. في الماضي كانت البداية في أغلب الاحيان من "البذور"، وهي كِسر صغيرة متخلفة عن الماس الطبيعي، كما يقول "بوب بانسيت" المدير التنفيذي لشركة "كليرتي". بيد ان الشركة اليوم أخذت تستخدم بذوراً ناتجة عن ماسات هي الأخرى من نتاج مختبرات الشركة.
تفحص هذه البذور أولاً للتأكد من جودتها، ثم تشذب بالليزر وتنظف للوصول بها إلى القياس المطلوب بالضبط باستخدام الفرن اولاً ومن بعده حمام الموجات فوق الصوتية.
عندما تصل البذور إلى اقصى درجات النظافة يثبت عدد منها – 50 كحد أقصى – في حامل خاص ثم تنقل إلى المفاعل لبدء عملية النمو حجمياً.
الماس في الأصل تجمع من ذرات الكربون التي تعرضت لضغوط عالية جداً ودرجات حرارة بالغة الشدة، الأمر الذي أدى إلى نشوء أواصر ارتباط فيما بينها وتكوين بناء بلوري. في الطبيعة تفعل الأرض هذا كله تحت سطحها، اما في المختبر فيعمل المفاعل على مساعدة ذرات الكربون في التجمع والتكتل على البذور. الطريقة التي تطبقها شركة "كليرتي" تستخدم فيها ضغوطا اوطأ بكثير.
للقيام بذلك تستخدم "كليرتي"عملية تسمى "ترسيب البخار كيميائياً"، وهي إحدى الطريقتين الرئيسيتين اللتين تستخدمان لتنمية قطع الماس في المختبر. في هذه الطريقة تعمل منظومة تفريغ الضغط على سحب الهواء تماماً من داخل حجرة المفاعل لبضع دقائق من اجل خلق ظروف النمو المثالية.
بعد ذلك يضاف غازا الهيدروجين والميثان إلى الحجرة ثم يجري تفتيتهما. هذه العملية تؤدي إلى اطلاق شظايا الكاربون التي تأخذ بالتساقط على البذور.
تسخّن البلازما البذور لتمكن شظايا الكاربون من بناء أواصر ارتباط مع سطوحها.
تقول أندرسون، من "ميا دونّا": "كرة البلازما أشبه شيء بالشمس، فهي تخلق العناصر الغذائية في الجو التي تمطر بعد على ذلك على بذور الحديقة وتجعلها تنمو."
على مدى 50 يوماً تقريباً تستمر البنى البلورية بالنمو، وتأخذ الماسات الخام بالتشكل. وعند خروج هذه الماسات من المفاعلات تكون اشكالها أقرب شبهاً بالحجارة منها بالماسات البراقة، كما يقول "بيل هولبر" رئيس شركة "كليرتي".
بعد تثبيت وزنها وإدراجها في سجل خاص ترسل هذه الاحجار إلى منشأة خاصة للقطع والصقل في مجموعة "أتش آر أي" بتورنتو وهي شريك لشركة "كليرتي".
ماسة من الخام
في تورنتو تخضع الماسات الخام كل على حدة للفحص اليدوي وبالكومبيوتر لتحديد أفضل طريقة لقطعها. فعلى اساس الحجم والشكل يحدد لكل ماسة ان كانت ستبقى قطعة واحدة ام تقطع إلى أحجار متعددة.
يقول "أوفير ستولوف" وهو مسؤول تنفيذي كبير في مجموعة "أتش آر أي": "نقوم بتفحص الأحجار هندسياً لتحديد أيها أكثر ملائمة للتشكيل مع تحقيق أقصى قدر من الوزن والنقاء."
بمجرد تحديد التصميم الأفضل يبدأ العمل على إزالة ما يسمى "بولي كرستال"، وهي طبقة خارجية من الكاربون الصلب تكونت اثناء تنمية الحجر، باستخدام الليزر.
بعد ذلك تعمل أجهزة الليزر مثل منشار يقتطع اجزاء من الماسة الخام، وهي عملية تستغرق ساعة او أقل، ترسل الجوهرة بعدها إلى آلة نحت الماس التي تقوم بتنعيمها وتشكيل الجزء الأوسع فيها المسمى "الحزام".
تقوم آلة ثانية تسمى "الكومبو بروتر" بإزالة المادة الزائدة لاكساب الماسة الشكل المرغوب. تستخدم هذه الالة عجلة من السيراميك لا تلبث ان تتحول إلى غبار اثناء عملها في قطع وتشكيل الماس الأشد صلابة من الحجر.
في هذه المرحلة يبدأ الحجر بأخذ شكل الماسة، وكل ما يحتاج اليه الان هو الصقل والتلميع لإكسابه تعدد الأسطح الذي يجعل الماسة تبرق.
تنتج هذه الأسطح باستخدام أقراص معدنية دوّارة مطلية بغبار الماس، وهي خطوة تنفذ يدوياً في أغلب الأحيان وتتطلب من العامل الخبير نحو سبع ساعات، كما يقول ستولوف، لكن الالة الأوتوماتيكية تستخدم احياناً في بعض جوانب العملية.
بمجرد الانتهاء من قطع الماسة وتلميعها والبلوغ بها مرحلة الكمال تقوم "أتش آر أي" بإرسالها إلى معهد الاحجار الكريمة في أميركا لأجل تصنيفها على أساس درجة النقاء والوزن والقطع واللون، وهذا التقييم مهم في تحديد سعرها عند البيع.
صنع خاتم منها
تبدو الماسة المستنبتة في المختبر للعين المجردة شديدة الشبه بالماسة الطبيعية، ويقول "توم موزيس" رئيس قسم المختبرات والبحوث إن مؤسسة "جي آي أي"، وهي مؤسسة لا ربحية تعنى بالتعليم والمعايير تأسست في 1931، تستخدم المعايير نفسها في تصنيف كلا النوعين من الماس.
بيد أن موزيس يعود ليؤكد أن بمقدوره تمييز الاختلاف بين النوعين بواسطة معدات خاصة، فالماس الطبيعي يكون له على الأغلب هيكل نمو مختلف. كذلك قد تكون هناك آثار ضئيلة من النيتروجين المحصور بداخله.
ما ان تحصل الماسات على شهادات الفحص حتى يصبح بالامكان بيعها إلى تجار التجزئة.
في أنابوليس تقول الجواهرية "كونستانس بولامالو" إن جانباً من السبب وراء شرائها الماس من شركة "كليرتي" هو انها مصنوعة في الولايات المتحدة، لأن العملاء حريصون على معرفة مصدر المجوهرات التي يشترونها.
تستخدم محلات بولامالو الماس المنتج مختبرياً فقط لصياغة خواتم وأقراط وقلائد براقة بأسعار مقبولة.
مع التحولات التي يشهدها السوق لاستيعاب المزيد من الماس المنتج مختبرياً يقول موزيس إن المستقبل باعتقاده مفتوح لنوعي الماس معاً.
عن صحيفة واشنطن بوست