نهاية حزيران 1920 انطلقت الثورة العراقية ضد البريطانيين لتشكّل في نهايتها انعطافة كبيرة قادت في أبرز نتائجها إلى تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وما تبع ذلك من تأسيس للجيش العراقي وبقية مؤسسات الدولة التي مازال الكثير من العراقيين يفخر بما كان موجودا في تلك الحقبة المهمة من تاريخ
العراق.
ورغم أنّ عملية تأسيس الدولة العراقية آنذاك كانت تحت رعاية وإشراف بريطانية إلّا أنّ الأمر بحد ذاته عُدَّ نصرا لثورة العشرين التي أجبرت قوى كبرى كبريطانيا على الاستجابة لمطالب الجماهير العراقية التي وجدت في الدولة العراقية جامعة لكل مكونات المجتمع العراقي الذي انصهر بشكل كبير في هويته العراقية التي ظلت هي الأكثر قوة من الهويات الفرعية والثانوية بمختلف
مسمياتها.
ولعلنا في كل مرة ونحن نستذكر ذكرى ثورة العشرين بوصفها ثورة عراقية خالصة لا تحمل أجندات خارجية أو فئوية بقدر ما أنّها شكلت حالة عراقية متميزة، عندما تمرُّ ذكراها نعيد قراءة الدروس التي يجب أن نتمعّن في دروسها الكثيرة التي ربما غابت عن أذهاننا أو حاول البعض تغييبها بطريقة أو
بأخرى.
ومن هذه الدروس المهمة أنّ من نتائج الثورة بروز الدولة العراقية ومؤسساتها وبطريقة تدريجية وصولا لحالة التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع بروز برلمان وأحزاب سياسية كانت فعالة في الحراك السياسي العراقي ودستور في منطقة إقليمية لم تكن تعرف معنى الدستور، ومن ثمّ وجدنا العراق آنذاك بنظام حكم لم تصله الكثير من الأنظمة حتى هذه اللحظة ألا وهو (الملكية الدستورية) أي أنّ الملك (يملك ولا يحكم) والتاريخ يروي لنا الكثير من المواقف التي تتحدث عن (نزاهة) تلك الفترة والحفاظ على المال العام والتداول السلمي للسلطة التنفيذية بين سقوط وزارة وتشكيل ثانية
، والعراق حينها خطى خطوات كبيرة في البنى التحتية وقوة الدينار العراقي من جهة، ومن جهة أهم بروز طبقة سياسية وأحزاب أخذت دورها سواء في الحكم أو المعارضة بطريقة إيجابية مازال الكثير منا يتمنّى أن نصل إليها بعد قرن من بروز الدولة العراقية التي كانت عملية بنائها صحيحة ويمكننا القول إنّها أسست لنظام ديمقراطي بدرجة
كبيرة.
وهذا يعني أنّنا بعد كلّ هذه السنوات علينا أن ننظر لمخرجات ثورة العشرين بعقل أكثر مما ننظر لها بعاطفة ممزوجة بروح الثورة، لأنّ -بكل بساطة- أبرز إنجاز تحقق أنّ ثورة العشرين نقلت الشعب العراقي من مرحلة الثوريّة إلى مرحلة التأسيس للدولة العراقية، ومن ثمّ فإنّها نجحت في جانب مهم جدا تمثّل في إيجاد مكان للعراق في خارطة العالم بعيدا عن بريطانيا التي من عادتها الاحتفاظ بمستعمراتها كتوابع سياسية واقتصادية لسنوات وعقود طويلة، وبذلك كانت من النتائج الأخرى استقلالية القرار العراقي وهذا نابع من الاستقلال الاقتصادي الذي تحقق في سنوات قليلة بعد تأسيس الدولة العراقية وإصدار العملة العراقية القوية بفضل الاقتصاد القوي
للبلد.