الصين تتحدى الولايات المتحدة في سباق التفوق الجوي
كرستيان شيفرد ولايرك لي
ترجمة: أنيس الصفار
خلال منتصف شهر تشرين الثاني الماضي عرضت الصين لأول مرة أحدث طراز من طائرتها المقاتلة الشبح إلى جانب سلسلة طموح مرتقبة من الطائرات المسيرة المتقدمة ضمن محاولة من بكين لإظهار عزمها على مضاهاة القدرة العسكرية الأميركية من خلال الاستثمار المكثف لأحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا وإقامة أوثق العلاقات عبر تاريخها مع شركاء مثل روسيا. كان عرض الطيران الافتتاحي الأول للطائرة "جي-35 أي"، وهي مقاتلة من الجيل الخامس صممت للإفلات من الكشف الراداري ومهاجمة الأهداف المعادية بسرعات تفوق سرعة الصوت، هو مادة الجذب الرئيسية خلال يوم افتتاح معرض "شوهاي" الجوي الذي أجري مؤخرا، حيث توجه الملايين لمتابعة البث الحي على قناة "سي سي تي في" التابعة للدولة الذي عرض فنون الأداء الجوي الرشيق للطائرة المذكورة على خلفية سماء رمادية.
لقي تجمع كبار متعاقدي الدفاع الصينيين هذا العام ترحيباً وحفاوة من جانب الاوساط الإعلامية الصينية التابعة للدولة باعتباره علامة شاخصة من خطط الرئيس الصيني "شي جن بنغ" الطموحة لبناء قوة قتالية على مستوى عالمي بحلول العام 2050.
لأجل هذه الغاية عمل الرئيس "شي جن بنغ" على دفع الصناعات الدفاعية في البلاد للاستثمار بقوة من خلال أحدث التقنيات وأرفعها تطوراً. بناء على ذلك راح المصنعون الصينيون يضخون أعداداً هائلة من السفن والطائرات الحربية والصواريخ والطائرات المسيّرة لفرض مطالب بكين الإقليمية الكاسحة .. وإرسال إشارة تحذير إلى الولايات المتحدة وحلفائها.
يقول "كولن كوه" خبير الدفاع لدى مدرسة "أس راجاراتنام للدرسات الدولية" في سنغافورة: "من المؤكد أن معرض شوهاي قد أظهر للخصوم المتوقعين قدرات الصين التكنولوجية المتصاعدة، وعلى رأس قائمة الخصوم طبعاً الولايات المتحدة."
منظور مستقبلي وحسابات بعيدة
قدّم العرض أيضاً تصويراً لمساعي الصين من أجل طرح نفسها بديلاً للولايات المتحدة في مضمار صناعة الأسلحة وشريكاً أمنياً معتمداً لكل الدول التي تشاطر بكين مشاعر العداء لشبكة التحالفات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة.
يقول "كولن كوه": "من خلال اجرائها معرضاً للطيران بمثل هذه الأبعاد واحاطته بكل هذه الأجواء الدعائية النشطة تحاول الصين بالتأكيد أن تتواصل مع الدول التي تقاربها في نمط التفكير في المناطق الجنوبية من العالم التي ضاقت ذرعاً بالعقوبات الغربية ولم تعد تثق بالتكنولوجيا الغربية."
كانت الطائرة "جي-35 أي"، وهي الرد الصيني على الطائرة "أف-35" التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن"، عنصر الجذب الرئيسي من بين تشكيلة واسعة من الطائرات المسيرة والصواريخ والطائرات الأخرى التي عرضتها شركات صناعة الطيران والجو فضاء الصينية الرائدة عبر هذا المعرض الذي يعقد مرة كل عامين، وكان قد استمر حتى 17 تشرين الثاني. وتعد الطائرة المذكورة أصغر حجماً وأخف حركة من مقاتلات "جي-20" الشبح الأثقل وزناً التي يستخدمها الجيش الصيني حالياً.
وكان من بين العروض الأخرى التي اجتذبت زائري المعرض أيضاً أول عرض خارج البلاد للطائرة "سو-57" الروسية، وهي المقاتلة الشبح الأعلى تقدماً ضمن أسلحة الجيش الروسي، وقد حلق بها أحد اكثر الطيارين الروس المحنكين خبرة؛ أثناء عرض جوي شاهده الكثير من المختصين.
عرض الصداقة هذا بمواجهة المساعي الغربية لأجل عزل موسكو أكد عليه كذلك حضور "سيرغي شويغو" رئيس مجلس الأمن القومي الروسي وأحد الثقاة المقربين من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".
يقول "وانغ شياوكوان" خبير الشؤون الروسية في الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية الذي شهد العرض أن حضور رئيس مجلس الأمن القومي الروسي شخصياً للاطلاع على الأسلحة الصينية المتقدمة يمثل إعلانا عن الرغبة في إقامة علاقات صناعية عسكرية أوثق مع الصين.
يضيف شياوكوان أن ذلك يرسل إشارة إلى العالم الخارجي مفادها أن الوضع الدولي مهما تغير فإن الصين وروسيا سوف تحافظان على الثقة والتعاون العسكري المتبادل بينهما بمستوى عالٍ من الثقة.
خلال العروض الجوية كثيراً ما تختلط الإعلانات الحقيقية بالدعاية، فالعديد من الطرازات المعروضة لا تزال قيد التطوير، بيد أنها فرصة نادرة للمحللين العسكريين كي يتمكنوا من متابعة التقدم الذي يحققه جيش التحرير الشعبي في اندفاعته صوب التحديث. ومن هنا فإننا نرى الخبراء منكبين على الصور متفحصين باحثين عن الأدلة التي يمكن أن تشي بمدى التقدم الذي احرزته الصين في الاقتراب من هدفها بالتفوق على خصومها أثناء اي صراع مستقبلي محتمل تشهده منطقة بحر الصين الجنوبي او بشأن جزيرة تايوان التي تدعي بكين أنها جزء من أراضيها.
يعتقد المحللون أن الأضواء والهالات التي احيط بها معرض هذا العام لإظهار مدى الجاهزية العملياتية المفترضة للطائرة "جي-35 أي"، إلى جانب كثير من الإعلانات عن أنظمة جديدة وأخرى جرى تحديثها، توحي بأن بكين تسعى لعكس مدى ثقتها بأهدافها رغم توسع القيود المفروضة على الصادرات الأميركية اليها التي تحدّ من قدرة الصين على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية المتقدمة.
المنافسة الأقوى في العالم
ادعى الخبراء الصينيون عبر تقارير بثتها وسائل الإعلام الرسمية أن نشر هذه الطائرة يجعل الصين الدولة الوحيدة، باستثناء الولايات المتحدة، القادرة على استخدام طائرات شبح حربية متعددة ذات قدرات تنافس أكثر الطائرات النفاثة تقدماً ضمن أسلحة القوة الجوية الأميركية.
فبعد عقد من التطويرات بدت المقاتلة النفاثة التي تنتجها المؤسسة الصينية لصناعات الطيران المملوكة للدولة مشتركة بمزايا عديدة مع الطائرة الأميركية السباقة على مستوى العالم. (في العام 2016 أقر رجل أعمال صيني بأنه مذنب لعمله مع مقاولي دفاع صينيين من أجل سرقة تصاميم الطائرة "أف-35" من الولايات المتحدة).
لم يقدم المسؤولون الصينيون سوى وصفا محدودا لمحركات الطائرة "جي-35 أي" وقدراتها الأخرى، بيد ان المحللين العسكريين يصفونها بأنها طائرة مقاتلة قادرة على التكيف لأداء ادوار متعددة خلال المعركة.
تعكس تسميتها "جي-35 أي" أن القصد من هذه الطائرة هو أن تكون نداً مكافئاً للطائرة الأميركية "أف-35". كما أن هناك تشكيلة متنوعة مشتقة من هذه الطائرة قابلة للنشر من القواعد الجوية الصينية او من حاملات الطائرات التابعة للبحرية الصينية، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية الصينية.
شهد هذا العام ايضاً لأول مرة جناحاً مخصصاً لأسطول الصين المتنامي من الطائرات والسفن المسيرة والتي تم عرضها داخل قاعات معرض "شوهاي" الجوي، حيث كان من بينها مركبة جوية مسيرة تزن 10 أطنان تستخدم لنشر أسراب من الطائرات المسيرة الأصغر حجماً. كذلك كانت من بين المعروضات سفينة مسيرة يصل مداها إلى 4000 ميل بحري، حيث أطلقت عليها وسائل الإعلام الصينية وصف "الحوت القاتل".
بثت وسائل الاعلام الصينية أيضاً مقاطع فيديو تظهر فيها الطائرة المسيّرة "سي إيتش-7" وهي تتدحرج على مدرج المطار. "سي إيتش-7" طائرة شبح بدون طيار كبيرة الحجم بعيدة المدى وهي قادرة على التحليق إلى ارتفاعات عالية. يقول "جاستن برونك"، الذي يشغل منصب زميل أقدم لدى معهد الخدمات المسلحة الملكية البريطاني، أن هذا التطور قد يكون الأعظم أهمية إذا ما تأكد بالفعل أنه يعكس استعدادات المعركة التي تعد الصين نفسها لها.
يمضي برونك قائلاً إن الطائرات المسيرة، خلافاً لطائرات النخبة المتطورة التي تحتاج إلى طيارين على مستوى عالٍ من التدريب، يمكن نشرها بنفس سرعة انتاجها، والصين كما يقول برونك هي خير من يحسن أنتاج الأشياء بسرعة وبكميات كبيرة.
يضيف معهد الخدمات المسلحة الملكية البريطاني أن امتلاك طائرات مسيرة بعيدة المدى يتعذر على أجهزة الرصد اكتشافها يكسب الصين وسيلة أخرى لوضع القواعد الأميركية او التايوانية تحت طائلة التهديد، إلى جانب الترسانة الضخمة من الصواريخ البالستية وصواريخ كروز التي تمتلكها أصلاً.
في أروقة المعرض الخلفية
على امتداد السنوات الأخيرة أصبح معرض "شوهاي" الجوي أيضاً ملتقى مهماً لمتعاقدي الدفاع الصينيين بهدف تنشيط التجارة الدولية مع شركاء قريبين مثل باكستان، بل ان الطائرة "جي-35 أي" طورت في الأصل كنموذج للتصدير، وقد أعلنت القوة الجوية الباكستانية خلال كانون الثاني الماضي عن خطط لاقتناء النسخة الأقدم من هذه الطائرة المقاتلة.
لا تزال الصين لاعباً صغيراً نسبياً بين تجار أسواق السلاح الدولية حيث شكلت نسبة نحو سنة بالمئة من الصادرات العالمية للفترة ما بين عامي 2019 و2023 مقارنة بنسبة 42 بالمئة وهي حصة الولايات المتحدة، وفقاً لقراءات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، وهي مجموعة تعنى بمتابعة شؤون الأمن ومكافحة التسلح على مستوى العالم.
بيد ان الحرب التي شهدتها أوكرانيا خلقت فرصة سانحة امام متعاقدي الدفاع الصينيين للتوسع في أعمالهم والنفوذ إلى الأسواق الدولية التي كان يهيمن عليها خلال السنوات الماضية المجهزون الروس الذين يناضلون اليوم بأقصى جهد لسد احتياجات الطلب المحلي.
كان المشهد العسكري حتى ظهور الطائرة "سو-57" في معرض "شوهاي" يبدو وكأنه تأكيد على أن الصين قد ارتقت بالفعل إلى مرتبة شريك أكبر ناقضة بذلك عقوداً من الاعتماد الصيني على المعدات العسكرية الروسية. غير أن النقطة التي تعمدت الأوساط الإعلامية الصينية إبرازها والتركيز عليها هي ان المحرك الذي كان يستخدم مع النسخ السابقة من الطائرة "جي-35 أي"، وهو من تصميم روسي، قد تم استبداله في النسخة الحديثة بمحرك "دبليو أس-19" الصيني، وهو محرك محلي الصنع.
يبدو من ذلك أن الصين تحاول الخروج بمكاسب على كلا الاتجاهين، كما يقول "كولن كوه"، فهي من جهة تقدم دعماً رمزياً لموسكو من خلال عرضها الطائرة "سو-57"، في حين أنها من جهة أخرى تدفع بمتعاقديها ضمن مجال الدفاع لسد الفراغ الذي خلفه غياب متعاقدي الدفاع الروس نتيجة لتفرغهم للحرب في أوكرانيا.
يقول كوه: "طرح الصينيون كل هذه المعدات المتقدمة الحديثة المتكاملة القدرات من دون حضور روسي قد يطغى عليها."
عن صحيفة
"واشنطن بوست" الأميركية