تحولات وسياسات

قضايا عربية ودولية 2024/12/24
...

علي حسن الفواز

يمثل الانتقال من الأيديولوجيا الأصولية إلى إدارة الحكم، مفارقة كبيرة في النظر إلى المصالح العامة، وفي تحقيق العدل والتوازن، لأن الأيديولوجي سيجد نفسه مضطرا للخضوع إلى واقعية الدولة وبرغماتية السياسة، وبعكسه فقد يواصل هذا الأيديولوجي خياراته في العنف، وفي تغليب فقه الخطاب على فقه الدولة، ليظل عند متاريس ثكناته العسكرية والطائفية، التي لا مجال فيها للحياة المدنية، ولا للعدل الاجتماعي والحقوق الجامعة.

تبحث سلطة الحكم الجديدة في سوريا عن توصيف لحكمهم، وعن سياسات تنسجم مع هذا التوصيف، داخل الدولة وليس خارجها. هذا التحول ليس سهلا، وقد يُفجّر صراعا فقهيا بين الجماعات المتطرفة والمسلحة، لأن بناء المؤسسة العسكرية يتطلب وجود خبراء، وليس فقهاء، فهل ستتمكن هذه الجماعات من القبول بشكل الدولة، وبسياساتها؟.

هذا السؤال قد يثير جدلا مع تواصل الضغط الدولي والإقليمي، ومع مطالبة الأمم المتحدة بصياغة عقد سياسي جديد في سوريا، بما يُعطي انطباعا عن واقعية الالتزام بمشروع الدولة، وأن لا تتحول سوريا إلى بؤرة مهددة، يسوّق عبرها الإرهاب والعنف الطائفي إلى دول الجوار، لاسيما أن تاريخ أغلب جماعات النظام الجديد يرتبط بذاكرة الإرهاب، وهو ما يستدعي مراجعة نقدية من جانب، وسعيا حثيثا إلى كسب ثقة العالم، وإلى إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية متوازنة من جانب آخر، لكن ما يثير الاستغراب هو الموقف البارد من التمدد الصهيوني في الأراضي السورية، ومن تغيير الجغرافيا وحدود الاشتباك، وبالاتجاه الذي يجعل من الكيان يفرض شروطه الوقائية عبر الأراضي السورية. إن ما تشهده سوريا في نظامها الجديد سيظل مفتوحا على أزمات مخفية، وعلى صراعات قد تنفجر في أية لحظة، لاسيما في الرهان على  تذويب الجماعات المسلحة في مؤسسات الجيش، وفي ضبط مرجعياتها الأيديولوجية الأصولية والتكفيرية، والتعاطي المنطقي مع الواقع ومفارقاته في ظل الوجود التركي والأميركي على الأرض السورية، وعلاقة ذلك ببعض الإدارات المحلية في المناطق الكردية والدرزية، وهي مناطق تحتاج إلى إعادة النظر بمفهوم مركزية الحكم، وبوضع السياسات التي تكفل حماية حقوق هذه المكونات السياسية والهوياتية والأمنية والثقافية. لقد بات واضحا أن سرعة الأحداث ستظل باعثة على القلق، وأن تغيير البيئات السياسية، والاصطفافات الدولية الإقليمية، لن يكون سهلا، لأن الموقف الدولي الأميركي ما زال غامضا، رغم الرسالة التي بعثها الأميركان من خلال عملية قتل زعيم جماعة داعش الإرهابية في دير الزور، لكن ذلك لا يعني وجود حسن النوايا، فما يجري سيظل مكشوفا على كثير من الحذر واليقظة، وإن الجماعات الإرهابية ما زالت تناور في الأرض المحروقة، وقد يستخدمها البعض كأوراق ضغط سياسي واقتصادي لتشكيل خارطة جيوبولتيكية جديدة في المنطقة.