وائل الملوك
"أوفيليا" هو عرض مسرحي للرقص المعاصر، أو ما يسمى بالكيروغرافيا التعبيري، من اخراج والتر ماتيني، قدمته فرقة imPerfect Dancers الإيطالية، ضمن عروض مهرجان بغداد الدولي للمسرح على خشبة مسرح الرشيد.
العرض مستوحى من شخصية "أوفيليا" في مسرحية "هاملت" لشكسبير، وهي ابنة بولونيوس "مستشار الملك" وأخت ليرتيس، وكذلك الحبيبة المحتملة للأمير هاملت، تمثل "أوفيليا" شخصية بريئة ومأساوية، إذ تقع في صراع بين حبها لهاملت وواجبها نحو والدها وأخيها.. ومع تقدم الأحداث الدرامية في العمل، تتعرض لضغوط شديدة نتيجة تدهور علاقتها مع هاملت ومقتل والدها على يده، مما يؤدي إلى انهيارها النفسي وموتها المأساوي.
وهذا ما استند إليه المخرج ماتيني في عمله "اوفيليا"، عبر تسليط الضوء على المتغيرات الذاتية البايروسايكولوجي النفسي للشخصية لما تحتويه من أبعاد، وتقديمها برؤية جديدة ومعاصرة وإعطائها طابعاً زمانياً حديثاً.
اللغة التعبيريَّة
استخدمت الفرقة التي يقودها "والتر ماتيني وإينا بروكس"، تقنيات ولغة رقص معاصرة من خلال الدمج بين مدرستين مسرحيتين، هما مدرسة الرقص الجسدي (Physical Theatre) التي تجمع بين الرقص والتمثيل المسرحي، عبر اظهار حركات الجسد للتعبير عن الأفكار المراد ايصالها للمتلقي بالارتكاز على عناصر من الأداء المسرحي ومزجها مع الحركات الراقصة لخلق عرض شامل، ودمجها مع مدرسة الرقص المعاصر (Contemporary Dance) التي يجمع بين تقنيات الرقص الحديث "الباليه الكلاسيكي والتجريب الحر للحركات" من خلال ارتكازه على التنويع والإبداع في الأداء.. الى جانب دمج العناصر المكملة كالإضاءة والموسيقى المعاصرة، ومن أبرز العاملين بهذه المدرسة "بينوا لاشيه وأكرم خان".
الارتباط النفسي
تصميم الحركة التعبيريَّة في مسرحية "اوفيليا" اعتمد على لازمة حركيَّة تتكرر في ربط المشاهد من قبل الراقصين "مجاميع"، وهي فكرة ذكية من المخرج والتر ماتيني، إذ أراد إبراز محاور الأداء الانفرادي والثنائي، لإيصال الجوانب العاطفية والعميقة لشخصية أوفيليا، وترابطها مع الشخصيات البطوليَّة الأخرى، كما اعتمد في رسم خطوط لفلسفة التصميم الحركي عبر تحركاتهم على خشبة المسرح على شكل حرف (X)، كما يرتبط الجميع بجدارين منفصلين "ديكور" أحدهما تلتصق فيه مجموعة كبيرة من الكتب، وهنا أراد المخرج أن يوضح للمتلقي عبر نقله الى الواقعية، وأن يكشف بأن "اوفيليا" في حكايتها ومعاناتها وطابعها النفسي، موجودة في جميع الازمان، منذ أولى الفترات التي وثقت فيها الحكاية من قبل شكسبير، "اوفيليا" المرأة الجميلة صاحبة الأحلام الكبيرة، لا تزال ضحية عشاقها وأحلامها التي لم ولن تتحقق لما تمتلكه من براءة.
أما الجدار الآخر، فهو جدار الصدمة لما يمتلكه من صلابة تشبه صلابة الحديد، يكشف فيه التقيدات النفسية والجسدية لدى "اوفيليا" وبقيت الشخصيات المترابطة، وتقصّد المخرج فصل هذا الجدار عن جدار الآخر، ليكشف عبر تعبيرات لغة الجسد جانب الانهيار النفسي لاوفيليا بسبب فشل محاولتها الهروب لعدة مرات، وهيمن الصراع الفكري لها لتجعلها أسيرة وممزقة في نهاية المطاف.
ما شاهدناهُ من أداء للفرقة الايطالية على خشبة المسرح كان أداءً عالي التكنيك ومتقناً، وخصوصاً أن أداء الدراما دانس أو أعمال الكيروغراف بشكل عام ترتكز على خلق لغة مسرحية بديلة للتواصل مع الجمهور، باستخدام مجموعة الحركات واعتبارها لغة مكملة للشكل الدرامي لإبراز الرسائل والمعاني الفنية.
الأبعاد الموسيقيَّة
قسم المخرج الموسيقى المصاحبة للمشاهد المسرحية لأقسام عدة، فعند الرقص الجماعي تستمع إلى مقطوعة كانت لازمة تتكرر مع تكرر الأداء الجسدي، وفي الأداء المنفرد والثنائي تستمع الى مقطوعة مرافقة للمشاعر المراد ايصالها من قبل المؤدين "الممثلين" والتي خيَّم عليها طابع الحزن نظراً لمضمون ثيمة الشخصية، على الرغم من أن المقطوعات الموسيقية كانت أساس في بناء المرحلة الدرامية والتصاعدية للأحداث لكنها كانت مقتبسة من احد المؤلفين الموسيقيين العالميين وليست مؤلفة خصيصاً لهذا العرض.
أما الإضاءة وبقع الضوء فكانت بسيطة جداً لكنّها مكملة للفلسفة الدرامية، فضلا عن الأزياء رغم بساطتها لكنها أعطت الطابع الحديث والتماسها لثيمة الحكاية الأصلية عبر أمور بسيطة، على سبيل المثال "تاج الملك".
وهنا أتاح عرض فرقة ( imPerfect Dancers) التي تأسست في عام 2009 واقتحمت ساحة الرقص التعبيري المسرحي المعاصر في العديد من العروض، عمقاً فلسفياً مغايراً للأحداث المتعارف عليها في أحداث مسرحية "هاملت" لشخصية "اوفيليا"، وخلقت للجمهور الحاضر في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، رؤية فكرية توعوية تناغم الحاضر الذي نعتاشه بطرح جريء متجدد.. وتبقى النهاية للجمهور في تحديد المشهد الأخير لـ "اوفيليا".