ما هي القيم والمضامين التي تحملها الرواية؟ وما هي الأهداف التي تسعى إلى زراعتها في نفس القارئ؟، وبأسلوبها الخاص تخلق هذه الرواية متبنى جديدا لقضيتها واتجاهاتها الفكرية، وبذلك تنعكس أهمية التوجه الفكري للرواية، ومن أكثر التوجهات تأثيراً في الادب العراقي (الماركسي، الوجودي، القومي)، وتعد هذه محاور الرئيسة للدراسة النقدية (الاتجاهات الفكرية في الرواية العراقية) للدكتورة صبا علي كريم المعموري، الصادرة عن دار الشؤن الثقافية ضمن سلسلة نقد. ويقع اختيار الباحثة على مجموعة من الروايات، تدور احداثها بشأن السمة الرئيسة للماركسية، منها، «الصراع الطبقي»، ونتيجة الرضوخ القسري للواقع الاجتماعي والسياسي يتمرّد أبطال كلّ من رواية «اليد والأرض والماء، أفول وشروق، أناهيد، عهد مضى» بحسب الباحثة، ورغم التمرّد يحتفظون بصفة التنزّه عن الخطأ التي تضاءلت في مطلع الستينيات».
رواية الستينيات والسبعينيات قدّمت صورة اكثر واقعية للبطل من خلال فهمها للصراع الطبقي على أنّه صراع فكري واجتماعي، وعليه لم يعد البطل فردا منزّها عن الخطأ، بل اصبح شخصية واقعية تحمل الكثير من الخصائص المتناقضة السلبية والايجابية، الخير والشر الشجاعة والجبن التسامي والانحطاط، فهو صورة للمجتمع الذي انتجه بكلّ تناقضاته. أما محتوى الفصل الثاني فقد عنِيَ بالاتجاه الوجودي الذي أصبح ملجأ لمعاناة الصدمة النفسية الناتجة عن الحرب العالمية الثانية في الدول الاوربية، كما هو الحال مع فكر ولّدته الصدمات والحروب، تبناه المثقفون العراقيون في نهاية الاربعينيات بحسب الشاعر بلند الحيدري وكان هذا نتيجة، «التشظي الفكري والسياسي الذي ساد المجتمع العراقي في الستينيات، في انهيار الثوابت الفكرية لشريحة واسعة من المثقفين، إذ أيقنوا عبثيّة التعاطي مع مجتمع لا يحترم قيمة الفكر الواعي». ومن سمات أبطال هذا الاتجاه تُخضع الباحثة مجموعة من الروايات للدراسة ومنها «نبي العذريين في القرن العشرين، السجين، الزقاق المسدود، الهشيم»، إذ يلتقي الانعزال، الملل الضياع والسوداوية مع بعضهم بأبطال بعض الروايات فيتشكّل الفكر الوجودي لدى الباحثة. وفي ختام محاور دراسة الاتجاه القومي، الوعي بالسياسة والاستعمار، الهوية الوطنية، مجموعة من مقومات هذا الاتجاه، وتبيّن الباحثة تأثير الفكر القومي في الرواية العراقية، «كان يقوم من خلال بناء الحدث الذي يقوم على فكرة الصراع مع السلطة المستبدة من أجل ترسيخ المبادئ القومية العربية بضرورة أن تكون الوحدة العربية واقعا ملموسا وفعليا، لذلك فان القضية الفلسطينية تتمتع بحضور واضح في تلك الروايات بوصفها قضية العرب الأولى».
وبذلك تترك الباحثة نتائجها المتضمنة عبر ترسخ هذه الأفكار الثلاث في الروايات والثقافة العراقية، «وقد وجد كل من هذه الأفكار طريقه إلى الخطاب الروائي في العراق، معبراً عن الانتماء الأيديولوجي للكاتب الذي انعكس على نتاجه الادبي». جاء الكتاب في (288) صفحة من القطع الكبير.