د. هاني عاشور
حلم النفوذ يتجدد، بعد أن كان حلم رواية أدبية قبل عقود من الزمن كتبها الروائي عبد الرحمن منيف بعنوان (شرق المتوسط)، ورغم ان الرواية ذات ابعاد اجتماعية، إلا أن هذا العنوان أصبح اليوم يشكل مصطلحا سياسيا أبعد بكثير من فكرة البطل الروائي، إلى نفوذ سياسي واقتصادي أوسع في عالمنا.
تجدد هذا المصطلح ليصبح حلم نفوذ كبير تسعى تركيا لتحقيقه على ارض الواقع بعد امتداد نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام بشار الاسد، ليصبح الامتداد التركي في شرق البحر الابيض المتوسط بأبعاد سياسية واقتصادية، اصبحت تهدد دولا كثيرة مثل اليونان وقبرص ومصر، حتى امتدت المخاوف إلى فرنسا وايطاليا ودول أخرى على ضفاف هذا المتوسط، الذي يتوسط العالم ويكتنز الثروات بعد اكتشافات الطاقة الكبرى فيه من النفط والغاز.
أثار شرق المتوسط المخاوف حين ابدت تركيا رغبتها بعقد اتفاقية دفاع مشترك مع السلطة السورية الانتقالية التابعة لها والمدعومة منها اصلا، ودعوة انقرة إلى ترسيم الحدود بينها وبين سوريا، كما حصل سابقا في اتفاقية عقدتها تركيا مع ليبيا بشأن ترسيم الحدود البحرية والدفاع المشترك، التي أتاحت لتركيا وضع آلاف الجنود الاتراك في ليبيا لحماية حكومة طرابلس القريبة منها.
من ابرز المخاوف هو ما يتعلق باليونان التي ترى أن تركيا تحاول توسيع نفوذها في شرق المتوسط واستثمار الطاقة وخاصة التنقيب عن حقول الغاز، وتشارك قبرص الجنوبية هذه المخاوف بشأن امتداد تركي يتوسع في البحر الابيض المتوسط مع ما سبقه من توسع في شواطئ ليبيا على البحر، وتصف اليونان اي اتفاقية بين تركيا وسوريا بهذا الشأن بأنه (خطوة غير ودية) فمثل هذا التعاون قد يشمل إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز من سوريا إلى موانئ التصدير التركية، ويجعل الموانئ التركية السورية اكبر منافس لدول البحر الابيض المتوسط.
وبالإضافة إلى الغاز الذي ستحصل عليه تركيا من شواطئ حوض الشام في البحر الابيض المتوسط، فإنها تسعى إلى استثمار النفط شرق سوريا، الذي تبلغ قدرة انتاجه نحو 400 الف برميل يوميا والتي تراجعت زمن نظام بشار الاسد إلى 30 الف برميل يوميا بعد سيطرة قسد على تلك الحقول النفطية، وتحاول تركيا مد انابيب لنقل النفط وتصديره عبر موانئها مستغلة ربطه بأنبوب النفط العراقي الممتد شمالا نحو الموانئ التركية لتكون منصة تصدير الطاقة لأوروبا مستقبلا.
وبدأت مؤشرات اخرى تظهر لتؤكد أن مثل هذه التحركات التركية ستؤثر في حقوق مصر في شرق المتوسط من خلال التشكيك وإضعاف اتفاقيات ترسيم الحدود مع دول مثل قبرص واليونان، وان لتركيا خططًا توسعية في المنطقة، والتي تميل التوقعات إلى أنها تعلو كنزًا من الغاز الطبيعي، بينما تشير مصادر مصرية إلى أن سوريا أصبحت "غنيمة تركية"، وأن أنقرة تمارس الوصاية على القيادة الجديدة مع استبدال النفوذ الإيراني بآخر تركي.
كل هذا استجد مع تولي سلطة جديدة موالية لتركيا الحكم في سوريا، فيما كانت هذه المخاوف قائمة منذ سنوات عدّة، حيث كانت فرنسا في عام 2020 قد عبرت عن موقف مشابه حين قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون حينها إن بلاده ستزيد من وجودها العسكري في شرق البحر المتوسط، داعيا تركيا إلى وقف التنقيب عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها مع اليونان.
واليوم تتجدد الشكوك والمخاوف من نفوذ تركي على شرق المتوسط واستثمار الغاز فيه، وترسم ملامح نفوذ جديد، ربما يكون محور صراع مقبل بين تركيا والغرب، وذلك المتوقع ما دام الغاز قابلا للاشتعال في اية لحظة.