علي حسن الفواز
ماذا ترك الرئيس القديم جو بايدن للرئيس الجديد ترامب؟ سؤال يحمل في بساطته تعقيدات كبيرة، ففيه من الأسرار والملفات الغامضة ما يجعل العالم متوتراً، ومكشوفاً على صراعات لا حدود لها، ومتورطاً في تحالفات أشدُّ غموضاً.
الرئاسة في الولايات المتحدة لا تشبه الرئاسات في جمهوريات الموز، فهي الدولة التي يمكنها أن تؤجر نصف العالم، وأن تشتري حكومات وشركات وممرات لصالح سياساتها العابرة للجغرافيا، وهذا ما يجعل حديث الإرث الرئاسي موضوعاً شائكاً، وباعثاً على المساءلة والشكوك، وعلى الكيفية التي سينظر بها الرئيس الجديد إلى سياسات وتحالفات الرئيس القديم.
مع نهاية عام 2024 وبداية عام 2025 سيدخل فيه الرئيس المنتخب ترامب إلى "بيت الأسرار" ليمارس صلاحياته في إدارة نصف العالم، وربما في مواجهة مع النصف الثاني الذي يحلم بالحرية والاستقلال والسيادة، وقد يخطط لسياسات وقائية تتجاوز عقدة الحروب والخرائط المفتوحة، لأن ما جرى خلال سنوات حكم بايدن الديمقراطي كان غامراً بالحروب والفجائع، وبالصراعات التي لا رائحة للديمقراطية فيها. فهل سيعمد الرئيس الجمهوري الجديد إلى سياسة واقعية وعقلانية في "تصفير الحروب" وفي إعادة النظر بالتحالفات التي تشبه تحالفات التجار؟
أحسب أن إدارة السياسة في العالم ليست بعيدة عن إدارة الأسواق الكبرى، فالكل يبحث عن المصالح والأرباح، ولا شأن لهم بحاجات الشعوب، ولا بالخسارات الوطنية والضحايا والفقراء والكوارث التي تحدث هنا أو هناك، ولا حتى بأحلام الناس وحقوقهم وتوقهم للعدالة والأمان والسلم الأهلي، وهذا ما يجعل الكثيرون ينظرون إلى الرئاسة الأميركية من رغبتهم في البحث عن "السلام العالمي" الذي تحدث عنه الفيلسوف كانط قبل أربعمائة سنة، لمعرفته أن الحروب لا تجلب سوى الخراب والأحزان.
ماذا قال الرئيس القديم بايدن في اجتماعه الرئاسي الأخير مع رؤساء دول مجموعة العشرين؟ وكيف استعرض إنجازاته العسكرية والتجارية في فلسطين ولبنان وأوكرانيا وغيرها؟
لست معنياً بالإجابة، لكني ضحكت كثيراً على جملة أوردها وزير الخارجية الأميركي بلنكن بالقول " لقد حولنا المجموعة إلى لجنة توجيهية للديمقراطيات الرائدة في العالم" وكأنه أراد أن يجعل من تلك الحروب المفتوحة وكأنها مصول علاجية للدول التي تعاني من تعقيدات أحزانها الوطنية، ومن " الديمقراطيات غير الكاملة" ومن أعراض رغباتها الحقوقية في حماية القانون الدولي، ومن رفضها التدخل في شؤونها، وعدم تورطيها في تحالفات وسياسات خارجية جعلتها الولايات المتحدة خياراً وحيداً للدخول في ملعب الديمقراطية.