القوارض العملاقة تلاحق تجَّار الممنوعات

بانوراما 2025/01/07
...

 أليكس رودواي

 ترجمة: بهاء سلمان


بينما لا تزال هيئة المحلفين في حيرة من أمرها بشأن ما إذا كان الجرذ الأفريقي العملاق لطيفا أم لا، فمن الصعب انكار القوة المذهلة لأنفه.

أثبتت منظمة "أبوبو" APOPO غير الربحية التي مقرها تنزانيا بالفعل قدرة القوارض بحجم القطط، والتي تطلق عليها اسم "هيروراتس" "HeroRATs"، على التحري عن الألغام الأرضية وآثار مرض السل، وحتى الناجين بين الانقاض في مناطق الكوارث الطبيعية. لكن المنظمة تحوّل اهتمامها الآن، وأنوف فئرانها، إلى تجارة الحياة البرية غير المشروعة عالميا.

وتقدّر قيمة تجارة تهريب أعضاء الحيوانات البريَّة غير المشروعة بما يصل إلى 23 مليار دولار سنويا، وهي رابع أكبر مصلحة تجارية غير مشروعة على مستوى جميع أنحاء العالم، بعد تجارة المنتجات المقلدة والمخدرات والاتجار بأعضاء البشر. يقول "كروفورد آلان"، نائب رئيس قسم الجرائم الطبيعية في الولايات المتحدة، والذي يتمتّع بخبرة تزيد عن 30 عاما من أعمال بحث جرائم الحياة البريّة: "تعّد الحياة البريّة سلعة منخفضة المخاطر. 

ومن المؤسف أن الجريمة المنظمة تعرف أن هناك نقطة ضعف حقيقية لدى أساليب الكشف في المنافذ الحدودية والموانئ والمطارات، وخاصة حدود دول أفريقيا." ويوضح أن المتاجرين يخفون منتجات الحياة البريّة بعدة طرق. فقد يتم تلطيخ العاج ليبدو وكأنه خشب، واخفاؤه داخل شحنات المحاصيل وحتى تقطيعه إلى قطع على شكل ألواح الشوكولاتة، وتغليفه بالشوكولاتة ه داخل العبوة، كأمثلة على محاولات الإفلات من عمليات التفتيش البصريّة والأشعة السينية.

وهنا يأتي دور الفئران وحاسة الشم الحادة لديها؛ فوفقا لبحث جديد أجرته منظمة أبوبو ونشرته مؤخرا إحدى المجلات العلمية. فقد تم تدريب الفئران بنجاح داخل منشأة بحثية لاستنشاق رائحة أنياب الفيلة وقرون وحيد القرن وحراشف حيوان البنغول وأبنوس السنغال (مادة خشبية سوداء اللون تباع بأسعار مرتفعة– المترجم)، والتي يقول الباحث آلان، إنها بعض من أكثر منتجات الحياة البريّة شيوعا التي يتم تهريبها خارج إفريقيا.

قدرات هائلة

تقترح الدكتورة "إيزي زوت"، عالمة الأبحاث السلوكية التي تقود المشروع، استخدام الفئران كأداة تكميلية للكلاب، والتي تستخدم بالفعل للكشف عن المواد المهربة من الحياة البريّة. تقول: "الكلاب مذهلة؛ فإذا كنت تبحث عن التتبع عبر حديقة "سيرينجيتي" العامة في تنزانيا، فلن تستخدم جرذا لذلك. ومع ذلك، ونظرا لكونها صغيرة جدا ورشيقة، فإن الفئران لها اليد العليا لتحقيق نتائج واضحة،" كما توضح.

وعلى عكس الكلاب، فإن الجرذان سعيدة بالعمل مع العديد من المدربين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حجمها الأصغر، فهي أرخص بكثير أثناء التدريب والصيانة والنقل، بحسب زوت. وهذا مهم بشكل خاص نظرا لأن الكثير من تجارة الحياة البريّة غير المشروعة تأتي من بعض أفقر مناطق العالم.

ويحدد الباحث آلان التكلفة باعتبارها القضية الرئيسية عند الكشف عن منتجات الحياة البريّة التي يتم الاتجار بها، مؤكدا: "نحن بحاجة لايجاد بعض الحلول الأرخص والأكثر استدامة للكشف في إفريقيا،" مضيفا بأن تحسين طرق الكشف يزيد من مخاطر تجار الحياة البرية غير القانونيين، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار التجارية وتقليص الطلب. يقول آلان: "أنا متفائل بأن استخدام الفئران للكشف عن الحياة البريّة سيكون عملية منخفضة التكلفة وعالية التأثير وقليلة البصمة."

ولدى تقييم النتائج البحثية لهذا العالم الحقيقي، أجرت منظمة ابوبو العام الماضي دراسة لاظهار قدرات الجرذان في ميناء دار السلام عاصمة تنزانيا، الذي يتعامل مع 95 بالمئة من التجارة الدولية للبلاد. وتقول منظمة أبوبو إن الفئران وجدت أكثر من 83 بالمئة من الأهداف المزروعة، حتى عندما تم إخفاء العناصر بمنتجات إخفاء الرائحة المستخدمة بانتظام. وبمجرد أن يحدد الفأر هدفا، فإنه ينبه المعالج باستخدام مخالبه الأمامية لسحب كرة صغيرة متصلة بسترة من النيوبرين مصنوعة خصيصا، مما يؤدي إلى إصدار صوت صفير.


نتائج ضارة

لا تؤثر تجارة الحياة البريّة غير المشروعة على أعداد الحيوانات أو النباتات التي يتم الاتجار بها فحسب، بل يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على النظم البيئية بأكملها، حيث تشير الدراسات إلى أن استهلاك الحياة البريّة التي يتم الاتجار بها بشكل غير قانوني يمكن أن يؤدي أيضا إلى انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ، مثل فيروس الإيبولا وفيروس جدري القرود ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس).

يبلغ متوسط عمر الجرذان الأفريقية العملاقة ذات الجراب نحو ثماني سنوات، لذا فإن تدريبها لمدة عام واحد يعد استثمارا طويل الأجل يستحق العناء، كما تقول زوت. يتكوّن العام من جلسات تدريب خمسة أيام اسبوعيا، تتخللها بانتظام أوقات لعب داخل بيت كبير في الهواء الطلق مليء بألعاب الحبل والعجلات المتحركة.

توضح زوت أن مستوى الذكاء العالي والفضول لدى الجرذان يجعلها تحمل صفة الطلبة الجيدين: "إذا كنت بحاجة إلى جعل الجرذان تفعل شيئا جديدا، فما عليك سوى اسقاطها هناك، داخل حاوية تدريب، وانتظارها حتى تكتشف ذلك." وتضيف زوت أن كل جرذ، مثل البشر، له شخصية مختلفة: "هناك حيوانات قد تتّقن الأمر من المحاولة الأولى، وقد يكون هناك حيوانات تستغرق بعض الوقت، ولكنها تصبح بارعة بشكل مطلق بمجرّد أن تتقنه." ورغم أن هذا البحث لا يزال ضمن مراحله المبكرة، فإن منظمة أبوبو تأمل بتوسيع نطاقه بطريقة مماثلة لمشاريعها السابقة. ويعتزم الفريق إجراء المزيد من التجارب التشغيليّة مع الجرذان المدربة في ميناء دار السلام ومطارها. وتقول زوت إن الخطوات التالية ستركّز على تحسين استراتيجيات النشر، بالنظر إلى أداء الفئران عندما تكون على أحزمة طويلة مقابل تجوالها بحرية.

وتعبر زوت عن ثقتها بقدرة الجرذان على مواجهة التحدي، وتقول: "حتى الآن، مهما كان ما ألقيناه على الجرذان، فقد كانت قادرة على القيام به. وإذا أبلغناها بذلك بشكل صحيح، فإنها كانت دائما على قدر المهمة."

وكالة سي أن أن الاميركية