خارج قوائم الإرهاب

آراء 2025/01/07
...

 محمد شريف أبو ميسم

 

تعد ثنائية (الضرر  والمنفعة) في قوائم الارهاب، التي تضعها الجهات الدولية هي الأبرز في توظيف تعريف الارهاب بوصفه سلوك تخويف يستهدف السكان أو الحكومات بهدف إكراههم من خلال التهديد أو ارتكاب العنف.

وهذه الثنائية ما عادت خافية على أحد من منطلق تحقيق المصالح، في عالم يشهد تحولات كبيرة، وتتسابق فيه القوى الكبرى بهدف الهيمنة على مناطق النفوذ ومصادر الطاقة والمواقع الرئيسة لحركة التجارة العالمية في ظل عولمة (الانتاج والأسواق والأمن)، بوصفهما ثالوثا للهيمنة والتفوق بجانب احتكار اقتصاد المعرفة.

ومن هذا المنطلق يمكن النظر في عملية توظيف ما يسمى بقوائم الارهاب، اذ يتم تحشيد الحلفاء والدول التابعة لمراكز القوة بهدف محاربة ومحاصرة حركات التحرر، التي تناضل من أجل تحرير بلدانها من الاحتلال بوصفها منظمات أو مليشيات ارهابية، أو محاربة ومحاصرة دول رافضة لكل أشكال الهيمنة بوصفها دولة راعية للإرهاب، فيما يغض هؤلاء وحلفاءهم الطرف عن الارهاب الحقيقي، الذي يستهدف السكان ويرتكب المجازر وجرائم التطهير العرقي بوصفه حقا للدفاع عن النفس، وهكذا يمكن صناعة ودعم الحركات الارهابية والتطبيل لها اعلاميا بوصفها حركات تحرر في البلدان، التي ترفض أنظمتها السياسية كل أشكال الهيمنة، وما الاجتياح الذي يقوم به جيش الكيان الصهيوني للأراضي السورية الا نموذج لهذا الاستثناء، ومثله المجازر والإبادات في غزة، وغض النظر عن الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الارهابية في العراق، بعد أن لبست ثوبا جديدا بدعم دولي تمثله حاليا "هيئة تحرير الشام"، التي أعلن عن ازالتها من قوائم الارهاب في الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، يؤكد خبراء قانونيون، أن إزالة أية جهة ارهابية من قوائم الارهاب في المنظمات الدولية يقتضي أولا تقديم طلب إلى مجلس الأمن من أحد الدول الأعضاء في المجلس، واتخاذ قرار بالإجماع للموافقة على هذا الطلب.

بيد ان اللافت في الأمر وقبل اتخاذ مثل هذا القرار بشأن "هيئة تحرير الشام" يتوجه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا "غير بيدرسون" ويلتقي بزعيم هذه الجماعة "أبو محمد الجولاني" بوصفه زعيما للدولة السورية، ما يرّشح انتقال سوريا في مساحة الأضداد من دولة في محور المقاومة ضد الكيان التوسعي إلى دولة مطبعة ومعادية لمحور المقاومة بدوافع طائفية، وهذا ما يبدو واضحا بالتزامن مع تدمير نحو 80 بالمئة من قدرات الجيش السوري من قبل الجيش الصهيوني، واحتلال اراضٍ سورية شاسعة، وصولا إلى مشارف دمشق دون شجب أو ادانه من قبل "هيئة تحرير الشام"، بضمان ازالة ما يمكن أن تواجهه سوريا الجديدة، من تحديات محتملة على الصعيد الدولي، في ظل بقاء تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية، لأن هذا التصنيف يمنعها من الحصول على الدعم بكل أشكاله ويعزلها دبلوماسيا، ويحول دون وصول المساعدات من الدول أو المنظمات الدولية اليها، فضلا عن كون هذا التصنيف سيعيق اعتراف العديد من الدول بحكومتها، ويحد من قدرتها في ادارة شؤون سوريا التي دمرتها الحرب الأهلية وأنهك اقتصادها الحصار القاسي الذي فرضته الولايات المتحدة منذ نحو ثلاثة عشر عاما، فيكون من مصلحة الطرفين القبول بهذه المناقلات.

ولأن الانتقال في شكل الدولة السورية لن يكون خارج الارادات الدولية التي خططت له ودعمته، فان حالة الانتقال وبحسب تطبيقات نظرية الصدمة التي جاء بها "ميلتون فريدمان" وطبقت في عموم الدول الشمولية بعد انتهاء الحرب الباردة وبعد التغييرات التي حصلت في الشرق الأوسط، فإن المؤشرات ترشح حالة عدم الاستقرار إلى حين تدجين ومناقلة العقل الجمعي المجبول على فكرة مقاومة الكيان الصهيوني، ومن ثم القبول بالحلول الجاهزة التي ستأتي من الخارج.