الدفع الإلكتروني يعززُ الأمانَ ويكافحُ الفساد
بغداد: سرور العلي
تصوير: أحمد جبارة
في عالم يشهد تطورا سريعاً، أصبحت الحاجة إلى وسائل دفع أكثر كفاءة وسرعة أمراً ضرورياً. ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت والتكنولوجيا في شتى مجالات الحياة، بات الدفع الإلكتروني هو الحل الأمثل لتجاوز الأساليب التقليدية في التبادل المالي. فمن خلاله، يمكن للأفراد والشركات إجراء المعاملات المالية بكل سهولة وأمان، سواء كان ذلك على مستوى الشراء أو التحويلات المالية.
هذه الوسائل الحديثة لا توفر فقط راحة ومرونة، بل تسهم أيضاً في ضمان الأمان وحماية البيانات الشخصية للمستخدمين، الأمر الذي بدا جلياً في تجربة العراق خلال الأشهر الماضية، لا سيما بعد قرار توطين رواتب الموظفين والمتقاعدين وجميع المستفيدين من الإعانات والمنح.
وفي هذا السياق، أشار أحمد غسان، (موظف حكومي) إلى أن تلك التجربة إيجابية وفعالة، وهي عملية سهلة في التعامل، وأفضل كثيراً من الدفع النقدي.
من جانبه يفضل رحيم حميد، سائق أجرة، التداول النقدي، لا سيما للمواطنين البسطاء، وممن لم يحصلوا على بطاقة ماستر كارد، وإن حصلوا سيضطرون لتعبئتها من الصيرفة، ما يضر بمدخولاتهم، بسبب الاستقطاعات أثناء تعبئة البطاقة، بحسب قوله.
ويرى حميد أن تلك التجربة سيستفيد منها الموظف، بعكس الكسبة وأصحاب الدخل المحدود.
وتخالفه الرأي نغم ياسين، (موظفة) إذ لفتت إلى أن الدفع الإلكتروني أكثر أماناً، لتجنب السرقة وتعرض النقود للتلف أو الحوادث.
وأضافت "قبل أشهر نفدت لدي النقود، بسبب كثرة التبضع في أحد المولات، فاضطررت للاتصال بشقيقتي، وفي غضون دقائق قامت بتحويل المبلغ الذي كنت بحاجة له، عن طريق الماستر كارد، وهنا
شعرت بالفائدة الكبيرة من تلك التجربة".
مصطفى أركان، (صاحب صيرفة) أكد لـ "الصباح"، أهمية التجربة، كونها توفر جهداً بدلاً من المراجعات والذهاب إلى المصارف، والوقوف في طابور لتسلم الراتب أو القروض أو التوطين، مشيراً إلى دورها المهم في عملية التحويل وسرعتها، عن طريق مكاتب الصيرفة، إذ أسهمت بتجاوز الكثير من التحديات.
سرعة
الخبير الاقتصادي دريد العنزي، يرى أن عملية الدفع الإلكتروني لم يكن هدفها الفساد، بل لسرعة ودقة التنفيذ، وتسهيل الأمر لكلا الطرفين المستلم والمسلم.
وفي حديثه لـ"الصباح"، أكد العنزي أنه "في عملية الدفع الإلكتروني لا يوجد تلاعب أو فساد، بل هناك استقطاع رسمي لنسبة معينة، وتلك الآلة تعمل بدقة فلا تستقطع أكثر، وتتم بوصل للتأكيد على الاستلام والاستقطاع للعمولة، وهو معروف عالمياً".
ونوه العنزي بأن "تلك العملية سهلت الكثير من الأمور، كالتحويل الذي يتم بدقائق، وألغت كل المصاعب بوجود بطاقة الماستر كارد، إضافة إلى ذلك فالدفع الإلكتروني عملية إيجابية جداً، وقللت من الفساد".
قرار
وفي وقت سابق أعلن البنك المركزي العراقي عن دخول قرار مجلس الوزراء العراقي المرقم (23044)، للعام 2023 حيز التنفيذ، لزيادة عدد أجهزة الدفع الإلكتروني في القطاعين الحكومي والخاص، لتعزيز تلك الثقافة، وللتقليل من الدفع النقدي.
فائدة
وقال مصدر مسؤول في البنك المركزي العراقي في تصريح لـ"الصباح"،: "إن فائدة الدفع الإلكتروني، تتمثل باختصار الوقت وحفظ الأموال، بدلاً من حمل مبلغ قد يكون خمسة أو ستة ملايين سيتم حمل بطاقة واحدة، أو من خلال محفظة الهاتف المحمول، كما يمكن نقل هذه الأموال من حساب إلى حساب بضغطة زر، أو بالدفع الإلكتروني في الأسواق والصيدليات والمولات والمحال التجارية وفي أي مكان آخر، وتلك العملية أصبحت مسألة طبيعية لسرعتها، ولاستخدام التقنيات الأحدث في نقل الأموال وحفظها".
وكشف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، كونه غير مخول بالتصريح، عن أن البنك المركزي غير مسؤول عن قضايا الفساد، فدوره يكمن بعمل بنية تحتية، تسهل للمصارف عملية تنقل الأموال من و إلى، كذلك فهو جهة قطاعية، يرعى القطاعين المصرفي والمالي، اللذين يحتاجان إلى بنية تحتية محكمة ذات أساسات متينة، وإمكانية أن تكون ذات ثقة عالية لدى المواطن والشركات، والمصارف والجهات الخارجية، والبنك هو من يقوم بهذا الدور الحيوي.
ونوه بأن "قضايا الفساد والقضاء عليه، من مهام جهات تنفيذية وقضائية، كوزارة الداخلية وهيئة النزاهة، بالاستعانة ببيانات يحتفظ بها البنك المركزي، فإذا أرادت النزاهة التحقيق بقضية فساد أموال، ستلجأ إلى الجهة القطاعية لسحب البيانات بتنقل الأموال، وطريقة معرفة تنقل الأموال من شخص إلى آخر تأتي بقرار قضائي، ومعترف به قانونياً وشرعياً، وهذه القضايا البنك المركزي غير مسؤول عنها".
قاعدة بيانات
كما أسهم الدفع الإلكتروني بحصر المستفيدين من الراتب الشهري، والحد من مزدوجي الرواتب والتقاطع الوظيفي، إذ قامت بطاقة الماستر كارد بحصر الأعداد الصحيحة للموظفين، وعمل قاعدة بيانات، وأكد المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي في حديثه لـ"الصباح": أن "الوزارة كشفت عن وجود أكثر من 220 ألف مواطن متجاوز على إعانة الحماية الاجتماعية، وتم استرداد بحدود 225 مليار دينار، وتم تسلم مبالغ منها بحدود 114 مليار بصورة مباشرة".
وأضاف العقابي "أسهمت عملية الدفع الإلكتروني بالقضاء على مثل هذه الحالات، فاليوم الوزارة في مفاصلها كافة تعمل بتلك الآلية".
تنظيم
وفقاً للدكتور عقيل جبر المحمداوي، يعد زخم البنك المركزي في تنظيم وتكريس تطبيقات الدفع الإلكتروني من التجارب الناجحة بالعراق، في مجال التعاملات المالية الحديثة، وفي معرض حديثه لـ"الصباح"، قال المحمداوي (خبير في شؤون المالية والتنمية): "وفرت تلك التجربة العديد من المزايا، ومنها الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة، وتقليل الاعتماد على التعامل النقدي، وأسهمت في القضاء على أشكال الفساد بشكل كبير، عن طريق تقليل الاحتكاك مع المواطن، بل يجري التعامل المالي عبر البطاقات الإلكترونية، والتركيز على إشاعة الثقافة المالية الإلكترونية والرقمية، فضلاً عن توفير الأمان، والخصوصية الاقتصادية والمالية للفرد".
كذلك يرى المحمداوي أن "عمليات الدفع الإلكتروني تترك سجلات رقمية لكل معاملة، ما يقلل من احتمالية التلاعب بالأموال أو إساءة استخدامها، ويقلل من الحاجة إلى التعاملات النقدية المباشرة، والتي بدورها تحد من فرص الرشوة أو الاحتيال، كما أن المؤسسات الحكومية والخاصة يمكنها مراقبة التعاملات بسهولة وتحليلها، مما يُسهم في الكشف عن أي أنشطة مشبوهة".
وتابع المحمداوي قائلاً: "دفع الفواتير الحكومية كالضرائب، والرسوم، والخدمات عبر المنصات الإلكترونية يقلل هو الآخر من احتمالات الفساد المرتبطة بالدفع النقدي، وتحويل المساعدات المالية إلى المستفيدين مباشرة عبر المحفظات الإلكترونية والرقمية، بما يضمن وصول الدعم إلى المستحقين، دون تدخل وسطاء وما شابه".
وخلص إلى أنه من الضروري تثقيف المواطنين حول أمان الدفع الإلكتروني وموثوقيته، مؤكداً أن ذلك سيسهم في تقليل التخوف من استخدامه، وشرح فوائد الدفع الإلكتروني سيعزز الإقبال عليه، وتوعية المستخدمين بكيفية حماية بياناتهم المالية للتقليل من خطر التعرض للاحتيال.
تحول نوعي
تجربة الدفع الإلكتروني من التجارب الفريدة والجديدة، وحققت مستويات عالية من الانسيابية، في التقليل من النقد واستخدامه، وبالتالي الحد مما يترتب عليه من احتيال وفساد وغيرها، بحسب الخبيرة الاقتصادية د.إكرام عبد العزيز، وأضافت في حديثها لـ "الصباح": "كذلك أسهمت بعملية تسوية الحسابات داخل المصارف، وجعل حسابات رجال الأعمال منضبطة، من خلال ما تكشف عنه القوائم المصرفية، وهو أيضاً أسلوب لتقليص حجم التبادل النقدي (الكاش)".
وتابعت حديثها "أنه عنصر حماية وأمان لمستخدميه، ويحد من الرشوة المباشرة في المؤسسات الحكومية، ويرفع من معدلات الإيداع في البنوك والمصارف، وهي من الأمور الإيجابية على الصعيدين النقدي والمالي".
وأكدت عبد العزيز ضرورة توسيع ثقافة استخدام الدفع الإلكتروني في الأماكن التجارية والمراكز الخدمية الأخرى، وتزويدها بالأجهزة، خاصة أن هذا التوجه يمثل تحولاً نوعياً في المؤسسات المالية، لخدمة مراجعيها، وبالتالي يدفع باتجاه زيادة توسع مسارات العمل الاقتصادي بانسيابية، ومن دون تعقيد، وتحقيق نمو متزايد في تلبية الخدمات، وجذب الكثير من المستخدمين.