الجغرافيا والتاريخ في سوريا ومآلاتهما على العراق

آراء 2025/01/09
...

 د. عبدالله حميد العتابي


يُنسب لإمبراطور فرنسا نابليون بونابرت أنه قال: "الجغرافيا قدر الأمم"، وتلك حقائق متكررة، فلطالما حددت الجغرافيا مصائر أمم وشعوب، وربما تكون الجغرافيا صماء أحيانا، ولكن ما أكثر ما كان التاريخ لسانها، ولقد قيل بحق إن التاريخ ظل الإنسان على الأرض بمثل ما أن الجغرافيا ظل الأرض على الزمان". بهذه الكلمات العميقة عبَّر المفكر المصري الراحل جمال حمدان عن أثر الجغرافيا في صناعة أحداث التاريخ، تبلغ مساحة سوريا نحو 187 ألف كيلومتر مربع، وتحيط بها تركيا شمالا بحدود تبلغ 900 كيلومتر مربع، ثم العراق والأردن في الشرق بحدود 600 و400 كيلومتر، وإلى الجنوب تتماس مع "إسرائيل" بحدود 83 كيلومترا، ثم لبنان بحدود 400 كيلومتر، ويمتد شريط ساحلي في منتصف الجهة الشرقية منها بطول 190 كيلومترا، يُمثِّل خط اتصالها البحري بالدول الأكثر نفوذا بها، فرنسا سابقا ثم روسيا. هذه الجغرافيا التي تقع على خطوط التماس الجيوسياسي بين قوى إقليمية وعالمية مَثَّلت عبر تاريخها إحدى أهم ساحات الصراع على النفوذ، فما الذي يميز الجغرافيا السياسية السورية فيجعلها محط خشية القوى السياسية العراقية وعودا إلى جغرافية سوريا، تُعد العاصمة دمشق بمنزلة "قلب الأرض" في الحالة السورية، وتظهر في الخريطة كأنها حصن صغير منعزل تربطه طرق متفرقة إلى بقية البلاد، ويحيط بها مجموعة من المناطق المختلفة عنها جغرافيا التي عادة ما ارتبطت تاريخيا بجهات خارجية أكثر من ارتباطها بدمشق. وتقع حلب في أقصى الشمال، وهي بوابة تجارية طبيعية جاذبة للقوى الخارجية عن طريق البر، مما أكسبها مكانة منافسة لدمشق، وفي الغرب ثمة شريط ساحلي عُدَّ في فترات تاريخية متعددة ملجأً للأقليات الدينية في البلاد، وعادة ما كان نقطة الاتصال مع القوى الأجنبية المهيمنة في سوريا، مثل فرنسا خلال فترة الانتداب ثم روسيا عام 2015. وفي الشرق ناحية نهر الفرات، ارتبطت مناطق الرقة والحسكة تاريخيا بالموصل ودير الزور بالأنبار أكثر من ارتباطها بدمشق. هذا التشرذم الجغرافي والهوياتي في آنٍ واحد، فضلا عن وقوع سوريا بين قوى كبرى عبر التاريخ، جعلها تعاني غالبا من صعوبة في تكوين هوية وطنية شاملة، وسهولة في تعرضها للتدخل الخارجي. حين انفجرت التناقضات الداخلية لفسيفساء المجتمع السوري، المقسمة على أساس ديني وعِرقي بين السنة والشيعة والعلوية والعرب والأكراد والدروز وغيرهم، وخارجيا تقع في مواجهة إسرائيل، ومشكلاتها مع لبنان، واختلاف نظامها السياسي عن القائم في الأردن، إلى جانب علاقاتها المتأرجحة مع تركيا، خاصة بعد عام 2011 والذي دفع بشار ثمنه بسقوط نظامه. ثمة حدود ملتهبة قابلة للاشتعال، في الشمال تشترك تركيا مع سوريا في حدود تفصل بين مناطق تقطنها أغلبية كردية، ومنذ انهيار الدولة العثمانية ورسم الحدود السياسية الحديثة تصاعدت المسألة الكردية، وتنامى نشاط الحركات الانفصالية حتى باتت تُمثِّل مصدرَ توترٍ مستداما لكلا البلدين. ثم الجولان المحتل وخطوط التماس مع إسرائيل، ثم لبنان الذي لم تهدأ علاقاته مع سوريا ولم تبتعد عن عهد التوتر منذ تأسيس البلدين. ثم الحدود مع العراق الذي كان في عهد صدام الخصم اللدود لنظام الأسد (الأب)، ثم بعد سقوط صدام، فتح بشار معسكرات تدريب للإرهابيين التكفيرين الذين تسللوا إلى العراق ليقتلوا آلاف العراقيين بحجة مقاومة الأمريكان، ثم أصبحت الحدود بين البلدين في حالة سيولة أمام إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية الذي أزالت جرافاته الحدود بين البلدين في ذكرى توقيع اتفاقية سايكس بيكو في يونيو/ حزيران عام 2014، ان كل ما يجري في سوريا له تأثير مباشر على الأمن القومي العراقي لذا على حكومة العراق فهم ما حصل في سوريا ودراسة تداعياتها على العراق، ودعم الشعب السوري الذي عانى عقودا من الدكتاتورية والتهميش والإقصاء والشتات وأن تضغط حكومة العراق على النظام الجديد بضرورة احترام الأقليات العرقية والطائفية في سوريا لان التأجيج الطائفي والقومي في الداخل السوري سيلقي بظلاله على الجوار العربي.