من يوقف حرب الابادة؟

آراء 2025/01/09
...

 نرمين المفتي 

طالما يقف المرء عاجزا أمام سؤال يتردد منذ الثامن من تشرين الأول 2023، حين بدأ النازيون الجدد بقيادة نتنياهو حرب الابادة ضد غزة وهو "من يجرؤ على ايقاف هذه الحرب المتوحشة؟"، واصحاب السؤال ليس العرب فقط، انما المتظاهرون وطلبة الجامعات في أميركا وأوروبا والغرب عامة والذين لا يملكون سوى التظاهر والتنديد امام هول الجرائم ضد الإنسانية المستمرة منذ 451 يوما مع كتابة هذا والذي أعلنت فيه وزارة الصحة في قطاع غزة

في تقريرها اليومي، ارتفاع عدد الشهداء إلى 45541 شهيدا والمصابين إلى 108338 مصابا ودائما اكثر من ثلثهم من الأطفال مع ارتفاع عدد المفقودين إلى حوالي 12 ألفا في غالبيتهم شهداء تحت الأنقاض وفي الطرقات، فضلا عن تدمير 82% من المباني السكنية وتدمير كلي للبنى التحتية. 

قد نجد جوابا في كتاب “‫يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الصهيوني" الصادر في 1985 من تأليف السيناتور الامريكي بول فندلي (المتوفي في 2019) والذي سبق لي وإن حاورته، حين زار بغداد في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي والذي اكد لي بأنه كان يعرف مسبقا أن تجرؤه على الكلام ضد الهيمنة الصهيونية على القرار الامريكي سيكلفه منصبه في الكونغرس والذي استمر فيه منذ 3 كانون الثاني 1961 إلى 3 كانون الثاني 1983 حين نجح اللوبي الصهيوني اخيرا في فوز مرشح ديمقراطي موال لهم في الينوي في انتخابات 1982 ولكن التاريخ سيسجل بأنه كان أول من فعل ذلك. وتمت اعادة طبع الكتاب الذي استمر الاكثر مبيعا في أمريكا 18 مرة وبمختلف اللغات ومن بينها العربية. يشير فيندلي في كتابه إلى السيطرة التامة تقريبا للجنة الأمريكية‬ - الإسرائيليّة للشؤون العامة (المعروفة باسم إيباك)، على القرار الأمريكي، مؤكدا أن هذا القرار الذي يرسم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عامة وتجاه الصراع العربي- (الاسرائيلي) يُرسم في الكنيست (الاسرائيلي) ويُعلن في الكونغرس الأمريكي لينفذه البيت الأبيض. علما أن فيندلي لم يكن مناهضا للكيان، وطالما صوت على جميع قرارات الكونغرس لمساعدته اقتصاديا وعسكريا، لكنه كان مع الحق الفلسطيني وضد الهيمنة الصهيونية على القرار الامريكي والذي لمسه شخصيا منذ 1967 حين أصبح في لجنة السياسة الخارجية وأيقن أن (ايباك) تهيمن على اللجنة خاصة والكونغرس عامة وان غالبية النواب والشيوخ ينفذون أوامرها للاحتفاظ بمناصبهم. وسيطرة اللوبي الصهيوني يمتد إلى الإعلام وصناعة الأفلام وطبعا دائما هناك التهمة الجاهزة (معاداة السامية) لكل من يجرؤ على الانتقاد الصريح للتصرفات الكيان وتوحشه وفي المقابل هناك ايضا من يصر على قول الحقيقة وان كان عددهم قليلا. ولا تفوتني الإشارة إلى هذه الهيمنة التي ترغم الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار ضد الكيان. ولابد من الإشارة إلى أن هذه الهيمنة التي تصل إلى شبكات الإعلان العالمية والتي نجحت، في تسويق الذريعة الصهيونية على تبرير هجماتها عامة وحرب الابادة في غزة خاصة بأنها "دفاعاً عن النفس" وتُصور المقاومة الفلسطينية كإرهاب، في تضليل إعلامي ممنهج يخلق غطاء دوليا لممارساتها الوحشية.‬‬

وبعيدا عن (ايباك) وأمريكا، فإن لعنجهية الكيان عامة ونتانياهو خاصة سببا آخر وهو الانقسامات العربي تجاه القضية الفلسطينية والذي أصبح واضحا جدا مع استمرار حرب الابادة في غزة وكذلك اتفاقات التطبيع مع الكيان، والتي أمعنت في هذا الانقسامات والتي جعلتان تكون المواقف العربية في غالبيتها عبارة عن تنديدات وتصريحات استنكار لا غير. 

تتحول القضية الفلسطينية إلى ملف جانبي يتم التعامل معه في حدود البيانات الصحفية. ونعود إلى السؤال "من يجرؤ على إيقافه؟"، وقد يكون الجواب أن الشعوب العربية تبقى هي القوة الحقيقية التي يمكن أن تضغط على حكوماتها لتغيير مواقفها، من خلال الاحتجاجات الشعبية والمقاطعة الاقتصادية كأدوات فاعلة لإرسال رسالة واضحة بأن هذه الجرائم لا يمكن قبولها، وان تتعامل منظمات المجتمع المدني العربية والإسلامية مع الأصوات الغربية الشجاعة، التي تنتقد سياسات الكيان التوسعية والمتوحشة والتي تحاول تغيير الرأي العام الدولي ودفع الحكومات إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة.