بغداد: نوارة محمد
إذا كان ثمة مايميز شباب الجيل الجديد ومابعده، فإن التمرد ضد التقليد الاجتماعي والتابوهات التي فرضتها السياقات الثقافية يُعد أبرزها، نحن نواجه جيلا يّصر على خلق مفاهيم جديدة، وسلوكيات حديثة.
ولكنهم رغم هذا كله - وعلى نحَو متناقض - غالبا يستسيغون فكرة العودة إلى الماضي ومرتبطين أشد الارتباط بالزمن الجميل، الحنين إلى الماضي لا يكاد سوى أن يظهر بي الذوق والموقف وطريقة العيش بالعودة لذاكرة طويلة ترجع لعشرات السنين.
أحمد علي ابراهيم يّحب أن يتواجد في بغداد القديمة، وهو غالبا ما يفضل التواجد في الأمكنة التي تحمل طابعاً تراثياً وتحتفظ بالشكل التقليدي القديم الذي لم يخضع للحداثة يقول :" لا زلت مأسورا بالشكل الفولكوري للمدينة، أحب الأزقة الضيقة والبيوت التي لم تواجه صنف البناء الحديث المزعج للنظر تلك التي تحمل ألوانا عبثية وفوضوية وغير منسجمة، لا أود أن لا أضيع في زحمة المطاعم الحديثة والمحال التجارية البرّاقة التي تشي بمظهر حداثوي وتعطي طابعاً فخماً لا علاقة له بالهوية التاريخية الثقافية للمدينة."
الأمر لن يقف عند هذا الحد فنحن نواجه البعض من شباب هذا الجيل يختار أن يُظهر اهتمامه بهذا النوع من المساحات في البلاد، أي تلك التي لم تتعرض للحداثة والتغيير الهائلين، يحب أن يظهر سواء في جلسات التصوير الشخصية او على منصات التواصل الاجتماعي قرِب الأمكنة البغدادية القديمة، أو عند البيوت، حتى ان بعضهم أحب أن يكرس جهوداً أكبر في توثيقها وتخصيص صفحات عامة تظهر الجانب الآخر من المدينة، الجانب الذي يجسد هويتها التاريخي والثقافي والاجتماعي. حيدر عرب مصور فوتوغرافي :" سنة بعد أخرى يزداد الاهتمام بما تبقى من تراث شعبي لهذه المدينة، الشبات والفتية لا يترددوا في اختيار الأزقة القديمة او الأماكن السياحية التراثية أمكنة لإقامة جلسات تصوير خاصة، وعامة، حتى اننا بدأنا نوثق هذه الأمكنة ونروج لها، كي تأخذ حّيزا أوسع، شارع حيفا مثلا، او بغداد القديمة، شارع المتنبي، والقشلة، الميدان، أحياء كثيرة بدأت تنتعش مجّدداً بفعل الحنين إلى الماضي والفكرة التي تطارد شباب الجيل الجديد."
في دراسة نشرتها جامعة نورث داكوتا ستيت الأميركية تأكيد لفكرة "الحنين إلى الماضي" وهو الشعور الذي يراود أي منا عند مشاهدته فيلما سينمائيا قديما، أو العثور على حاجة شخصية قديمة، شعور يظهر ما أن نّشم عطرا قديما أو تّذوق حلوى رائجة في مرحلة معينة، هذا الاحساس الذي يولد شعور الاشتياق لمرحلة سابقة من مراحل الحياة، هو تجسيد لفكرة الحنين إلى الماضي، بين الأجيال
جميعها.
ويقول كلاي روتليدج، أستاذ الإدارة في جامعة نورث داكوتا ستيّت الأميركية، إن الدراسات تُظهر أن مشاعر الحنين إلى الماضي، يمكن أن تشكل أداة مفيدة ومصدرا للإلهام ولبعث مشاعر الراحة في النفوس كذلك، بما يساعد العاملين على اجتياز اللحظات العصيبة التي يمرون بها في حياتهم المهنية، وتحفيزهم على بذل قصارى جهودهم على صعيد أداء وظائفهم.
مريم أسعد مهندسة معمارية :" نعم، في ظل هذا التحول الرقمي الهائل الذي تشهده الحياة بمجمل صورها تظهر انعطافات واضحة تؤكد أهمية بُنية المدينة الاجتماعية والثقافية والتاريخية، والبعض أدرك هذا واستثمر ما يحدث لصالح أهداف شخصية، بدءا من المستثمرين الذين حولوا متجارهم وشكل المطاعم الفخمة إلى جلسات عربية بسيطة، مع مراعاة اختيار ديكورات فلكورية وصولاً لمصممي الأزياء الذين بدورهم أعادوا لنا جزءا من أشكال موضة التصاميم القديمة وليس انتهاء بالأمكنة العامة والاشكال الهندسية المعمارية التي أخذت تتجه بشكل تدريجي إلى تصاميم العمارة التاريخية."