مشاريع العتبة الحسينيَّة تحوّل كربلاء إلى واحة اقتصادية
كربلاء المقدسة : سعاد البياتي
في وقت تعثر فيه الاستثمار في العديد من القطاعات الاقتصادية على مستوى العراق، تبرز العتبة الحسينية في كربلاء المقدسة كنموذج فريد للنجاح في تنفيذ المشاريع الكبرى. ففي ظل الظروف الصعبة التي يواجهها الاقتصاد الوطني، يمكننا مقارنة واقع المشاريع التي أنجزتها العتبة الحسينية بمشاريع القطاعين العام والخاص، لنكتشف أنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية بشكل فعال.
استطاعت العتبة الحسينية أن تواكب التحديات الاقتصادية من خلال استثمار فاعل في مشاريع تنموية وخدمية في مختلف المجالات، مثل البنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية. هذه المشاريع لم تقتصر على تقديم خدمات بسيطة، بل شكلت علامة فارقة في التنمية، وهو ما يعكس قدرتها على استثمار الموارد المتاحة بطريقة مبتكرة.
على الرغم من التحديات التي يواجهها الاستثمار في القطاعات الأخرى،,ومنها البيروقراطية والتمويل والنقص في الكفاءات، استطاعت العتبة الحسينية أن تبني منظومة عمل مرنة تحاكي أكبر المؤسسات الاقتصادية العالمية في إدارة وتنفيذ المشاريع. وبذلك، تكون قد أثبتت أن الاستثمار في الخير والتطوير المجتمعي يمكن أن يحقق النجاح حتى في الأوقات، التي يواجه فيها القطاع الخاص والعام صعوبة في تحريك عجلة التنمية.
خدمات طبية متطورة
في حديثه لـ"الصباح"، عبّر المواطن الحاج مهدي عبد الخالق، عن امتنانه لمستشفى الوارث للأمراض السرطانية (أحد مشاريع العتبة)، حينما منحته الأمل بالشفاء، بعد أن فقده بمحاولات في مستشفيات أخرى، وقبل أن يفكر بالسفر الى خارج البلاد للعلاج. يقول الحاج مهدي بامتنان: "شعرت بالارتياح وأنا أرى جميع خطوات العلاج تسير بثقة واهتمام، فكانت محطة جادة للتشخيص والشفاء".
الدكتور عمر زياد، مدير مستشفى الوارث، أفاد لـ"الصباح" بأن العمليات الجراحية في المستشفى بلغت حتى الآن (1243) حالة، منها عمليات متقدمة مثل استئصال الرحم والثدي والعنق، والتي تمت بنجاح مع موجود أطباء متخصصين.
وأكد زياد أن العتبة المقدسة وفرت جميع الاجهزة المتطورة ذات مناشئ عالمية ورصينة، مشيرا الى أن المستشفى لديه العديد من البروتوكولات للإخلاء الطبي، مع معهد سان جود وجامعة أكسفورد، بالتعاون مع وزارة الصحة.
وذكر ان المستشفى أطلق مبادرة إنسانية لمعالجة الأطفال دون سن الـ15 مجاناً، كما ان هناك فحوصات مجانية وحملات انسانية في المناسبات الدينية لجميع الأعمار والاختصاصات.
مستشفيات غير ربحية
بشأن أجور العلاج ومستوى الخدمات التي تقدمها المشاريع الصحية التابعة للعتبة الحسينية، يوضح الدكتور أحمد عبد الأمير عاشور، الرئيس التنفيذي لإدارة التشغيل في هيئة الصحة والتعليم الطبي: "كل مستشفيات العتبة غير ربحية بل تعتمد على توفير قدر كاف من السيولة المالية لاستدامة الخدمات بجودة عالية، وبأسعار مناسبة، لتوفير عناء وتكاليف السفر للحالات النادرة والمستعصية."
وأضاف قائلا: "أحيانا نستدعي أطباء اختصاص من دول متطورة في الطب، ونحرص على الا يكون الاستثمار على حساب المرضى".
مستشفى خاص للنساء
مستشفى خديجة الكبرى التابعة للعتبة الحسينية، واحد من المستشفيات النادرة التي تقدم خدمات طبية متكاملة للنساء، ولا يقتصر على عمليات الولادة ورعاية الأطفال فقط، بل يشمل العديد من التخصصات الطبية الخاصة بالمرأة والعمليات الجراحية وغيرها من الوسائل الطبية الحديثة باستخدام أجهزة متطورة.
وتؤكد مدير المستشفى الدكتورة بيداء التميمي، لـ"الصباح"، أن جميع المراجعات للمستشفى هن من النساء فقط، وذلك في إطار حرصهن على الالتزام بالأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة. حيث يُعزز الدين الإسلامي والديانات السماوية الحقة كرامة المرأة ويحفظ حقوقهن وخصوصيتهن. لذا، فإن العديد من النساء يفضلن الحصول على الرعاية الطبية من ملاكات نسائية فقط، تجنبًا لأي مخالفة دينية قد يشعرن بها في حال التعامل مع الأطباء الذكور.
ومن هنا، تم إنشاء مستشفى خديجة الكبرى لتلبية هذه الحاجة، وتقديم الرعاية الطبية في بيئة تحترم خصوصية المرأة وتعزز من راحتها النفسية والجسدية.
يشار الى أن العتبة الحسينية، تمتلك مؤسسة وارث الدولية للأورام ومركز الحسن المجتبى لزراعة النخاع الشوكي ومستشفى خديجة الكبرى ومستشفى الإمام زين العابدين، جميعها تقدم خدماتها لجميع المرضى، حتى لزراعة نخاع العظم وغيرها من الامراض المستعصية، والعتبة تتكفل بدفع اجورها حتى وإن كانت باهظة.
دعم قطاع التعليم
إضافة الى المستشفيات والخدمات الصحية، هناك الكثير من المشاريع التي تبنتها العتبة الحسينية، في المجال العلمي والأكاديمي، أبرزها جامعة الزهراء للبنات.
وتحدثت الدكتورة زينب الموسوي، رئيس الجامعة لـ"الصباح" قائلة: "بدأت جامعة الزهراء للبنات، في بداية تأسيسها، بثلاث كليات هي: الصيدلة، والتقنيات، والتخدير والعلاج الطبيعي، ثم تم استحداث فرع تقنيات التغذية العلاجية والتربية بكل انواعها، فضلا عن نهج البلاغة، وهو قسم خاص بدراسة علوم نهج البلاغة لأمير المؤمنين المتفرد على مستوى العالم الإسلامي.
واضافت الموسوي ان الجامعة استحدثت ايضا كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والهندسة بكل فروعها ومراكز بحثية، مشيرة الى الدعم الذي تحظى به الجامعة من المتولي الشرعي الشيخ عبد المهدي الكربلائي، من خلال تقديم تسهيلات واعفاءات ومنح مجانية للطالبات اليتيمات والمتعففات وذوات الدخل المحدود، لتمكينهن من بلوغ مستوى علمي حسب رغبتهن.
وأشارت رئيس جامعة الزهراء، إلى أن "الجامعة حققت نجاحات متميزة بحصدها المركز الاول بأفضل مكتبة وحصلنا بموافقة وزير التعليم العالي على كرسي اليونسكو".
شريحة الأيتام كانت لهم الحصة الأكبر في مشاريع العتبات، من حيث التعليم والتدريب والاهتمام. وقال سعد الدين البناء، المشرف العام على هذه المدارس: "لا بد من السعي لتوفير كل الامكانيات لبناء الانسان ابتداءً من مرحلة الطفولة في رياض الأطفال، وصولا الى الجامعات".
وأضاف "وفرنا مدارس متعددة للأيتام مع افضل مستلزمات الدراسة والتغدية والملابس، تضم 1630 يتيما ويتيمة، وسيلتحق المتخرج من الابتدائية الى ثانوية مجاورة، ومن ثم الى الجامعات الخاصة بالعتبة، وهي: جامعة الوارث والسبطين والزهراء مجاناً".
وأكد البنّاء في حديثه لـ"الصباح" ان المتخرج في الجامعة سيتم توظيفه وتزويجه واسكانه، فالعتبة الحسينية لديها اهتمام بهذه الشريحة حتى في بناء شخصياتهم وتنمية مهاراتهم".
وفي وقت سابق، أعلنت إدارة العتبة الحسينية المقدسة تنفيذ أكثر من 300 مشروع داخل العراق وخارجه خلال 20 عاماً، من بينها مشاريع ريادية تعد الأولى من نوعها في العراق وعلى مستوى الشرق الأوسط.
مشاريع خدميَّة
بشأن المشاريع الكبرى التي أحدثت نقلة في واقع كربلاء، تحدث لـ"الصباح " الدكتور علاء الدين ضياء الدين، نائب الامين العام للعتبة الحسينية المقدسة، قائلا: "العتبة الحسينية المقدسة دخلت السوق في عدة قطاعات منها الزراعية والصناعية والسياحية من اجل خلق منافسة هدفها استقرار السوق دون احتكار السلع وبأسعار توازي القدرة الشرائية، وتوفر افضل الخدمات وفرص العمل للمواطن، ولبناء تنمية اقتصادية".
وأشار الى أن "العتبة الحسينية المقدسة قامت بتنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع الخدمية في مختلف المجالات، وكان لها دور بارز في مجال المشاريع الصناعية بهدف دعم الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل للشباب، منها معمل الكارتون المعرج، وهو الاول من نوعه يقدم الخدمة للصناعات المحلية، ومطحنة نور الوارث وهي واحدة من المشاريع، التي تسهم في تعزيز الأمن الغذائي، وكذلك مشروع اعادة تدوير النفايات لتحسين البيئة المحلية وتقليل التلوث، ومشروع المقلع وبلوك العتبة ومعمل الادوية عالية الجودة غطت، مشيرا الى أن هذه المنتجات تغطي جزءا كبيرا من الاحتياج المحلي، ومعمل السرنجات الطبية وكذلك الحديد والصلب لدعم وتطوير البنية التحتية، إضافة الى مزرعة فدك، وهي الأولى من نوعها في العراق، إذ ضمت ملايين النخيل من الأصناف النادرة، فضلا عن المحاصيل الزراعية المتنوعة.
مشاريع لدعم الدولة
وبين ضياء الدين ان العتبة نجحت في تحويل العديد من الاراضي الصحراوية الى مشاريع زراعية وتم طرح انتاجها في الأسواق بأسعار مدعومة.
وشدد نائب امين عام العتبة الحسينية، على أن المشاريع التي تقيمها العتبة لا تنافس القطاع الحكومي، بل هي داعمة لمؤسسات الدولة، "وهذا ما يؤكد أن العتبة ليست جهة استثمارية، وليست لديها مكاسب ربحية وانما خصصت لخدمة المجتمع".
ويؤكد متابعون ومختصون في الشأن الاقتصادي، أن المشاريع التي تنفذها العتبتان الحسينية والعباسية، أسهمت الى حد كبير في تشغيل الأيدي العامة المحلية، إضافة الى ما توفره من عملة صعبة كانت تذهب الى الاستيراد.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي فرات الموسوي أن العتبات المقدسة تتمتع بخبرات متميزة وإدارة قادرة على تحقيق النجاح، حيث أسهمت مشاريعها في توفير العملة الصعبة التي كانت تهدر في الاستيرادات والانفاق خارج العراق.
وأضاف في حديثه لـ"الصباح" أن العتبات المقدسة أطلقت عدة مشاريع أثبتت كفاءتها ونجاحها، سواء داخل العراق أو خارجه، وأن أبرز النجاحات التي حققتها في هذا الجانب، استحداث جامعات رصينة، تسهم في تخريج كوادر تقنية ومهنية قادرة على المشاركة الفاعلة في عملية الإنتاج وفقاً لمتطلبات سوق العمل، ما يسهم في بناء الاقتصاد الوطني والنهوض بالصناعة المحلية.