قلبٌ يقطرُ دماً

الصفحة الاخيرة 2025/01/15
...

طه جزاع


أَفترض أن الحاج محمد كاظم الخشالي، الوجه البغدادي المعروف، صاحب مقهى الشابندر، الذي رحل عن دنيانا مطلع الأسبوع الجاري، قد عاش بقلب صامت حزين يقطرُ دماً لمدة تقرب من ثماني عشرة سنة مرَّة، بدأت لحظة التفجير الإرهابي الإجرامي في شارع المتنبي صباح يوم الخامس من آذار 2007، الذي ذهب ضحيته أربعة من أبنائه مع أحد أحفاده، من بين 68 شهيداً تقطعوا أشلاءً في ذلك اليوم الأسود، ولم يتم العثور على جثث عدد منهم، وبقيت عوائلهم تحيي ذكراهم وتناجي أرواحهم سنوياً بالحضور إلى الشارع كلما حلت ذكرى الفاجعة. ذلك أن من يفقد ولداً واحداً يحزن حزن الأنبياء على أولادهم فتدمع عيونهم وتحزن قلوبهم، فكيف بمن يفقد عدداً من فلذات كبده في لمح البصر، وكانوا قبل لحظات يملؤُون عينيه سروراً وفرحاً، وهو يتابعهم في المقهى ومطبعتها الصغيرة، يديمون الحياة في تلك الإمبراطورية الصغيرة التي يجلس على عرشها، فيشعر بأنه يملك الدنيا وما فيها. أي قوة تلك التي جعلتك تعيش كل هذه المدة أيها الحاج الطيب الودود النبيل، وأي صبر عجيب ذاك الذي جعلك تنهض وتحمل عكازك لتعيد الشابندر من جديد، بينما لم تتحمل والدتهم هول المصيبة وبقيت تسمع أصواتهم وتتبع خطواتهم وتنتظر إطلالتهم قبل أن تلحقهم سريعاً حزناً وكمداً وحسرة ؟ .

في ذلك الصباح الذي حمل معه ريح الفجيعة، أيقن الخشالي أنه فقد كل ما عنده في الحياة، حين بدأ يلملم أشلاء أولاده المُقطعة والمتناثرة هنا وهناك. لم يبق له سوى بصيص أمل في الحفاظ على بيوت أولاده وعوائلهم، وبينهم حفيد ولد بعد استشهاد والده بشهرين. 

لم يبق له سوى عينين حزينتين، وقلب مكلوم بقي يقطر دماً حتى ساعة رحيله.