حبيب السامر
تتعدد ثيمات المصطلحات الأدبيّة والثقافيّة والاجتماعيّة بشكل عام مع نمو تلك الحركات المتجددة في كل وقت، حيث تركز على مصطلح وعنوان يتكرّر في تلك الفترة وما يعقبها في الدراسات والبحوث والجلسات النقديّة بأنواعها، إذ تنمو بؤرته بشكل مكثف في الأوساط الثقافيّة لما يمثله لهم من دلالات ومضامين تشخّص تلك الفئة عن غيرها.
وقد اقترن مصطلح الأنتلجنسيا من خلال تسميتها اليونانية بالنخبة أو الصفوة ولنقترب أكثر فهي تعني الفئة الحالمة والحاملة لنهج التغيير وبناء المستقبل والكشف عن غشاوة الوهم والتفاخر بالماضي من دون النظر بعقلانيّة إلى صناعة الحاضر لذلك تنشأ فجوة كبيرة بين الذات الطموحة وما يتطلب المجتمع، لذلك وجب عليها تحديث برامجها ومعطياتها دائماً بالتناسق وقراءة الواقع ونقد ما يجري في الميدان ودمقرطة المجالات المجتمعيّة كافة.
وفي نظرة سريعة على نشأتها ومجالات عملها، ظهر- المصطلح- في اليونان ومارست نشاطها في العهد الروماني، لتلعب دوراً مهماً في قيادة المجتمع كون روح هذا المصطلح سكنت المثقفين والمفكرين والأكاديميين الذين سعوا إلى تطوير مجتمعاتهم والتفكير الدائم بالارتقاء بالواقع الاجتماعي نحو الأفضل، كون المثقف على قدر واسع وكبير من الفاعلية وتحسس ذبذبات الواقع وتحولاته والخوض في تفكيك الصعاب وتفتيت حصى العوائق والسعي نحو تجديد عوامل الثقافة ودفع التنمية الاجتماعية من خلال امتلاكها مفاتيح المستقبل وبؤرة التحرّر الانساني وردم هوة التناقض الوجداني والتنازع في تقبل فكرة التحديث والبحث عن المشكلات الأساسية، والنظر بعين الجزئيّة وفقدان الالتصاق بالمجتمع، منطلقين من نظرية الهوية الفكريّة الغائبة ووضع حاجز أساسي يتمثل بسطحية التنمية الانسانية والاضطراب الفكري والتهجين الثقافي والسلوكي وضعف الإرادة والتناقض بين المفاهيم التحديثيّة يعد تناقضا وجدانيا وهو ضعف الإرادة الذاتية ومن ثم ينسحب إلى ضعف دور المثقف يتوجب بروز مثقفين ايجابيين وإثراء الرصيد الثقافي وبروز عوامل ايجابية في الميدان والدفع نحو التغيير، وهناك عوامل كامنة في البناء المعرفي وموارده وعناصره فضلا عن التشوه الثقافي، على فرض ان الثقافة هي المحيط الذي يتحرّك في فلكه أفراد المجتمع وتحديد المفاهيم وطبيعة الأوضاع المجتمعيّة لتوضح الرؤية المستقبلية لدور المثقف وتحديد عوامل ومعايير توافرها ومصادر التعليم والثقافة والتغيير وعناصر المشاركة في الوظيفة التي تؤمن بالتطلع نحو مستقبل أفضل.
برتراند رسل يصف المثقف بقوله "المثقف هو الشخص الذي يتجاوز باهتماماته حدود تخصصه الأكاديمي وتعريفه بأنّه يأخذ كل شيء بطرف، والتعريف بأنه يعرف كل شيء عن شيء، ثم شيء عن كل شيء".
ومن هنا لا بدَّ أن تتحقق الأبعاد الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، لأنّ المثقف الحقيقي هو قدوة كإنسان في قلمه ومواقفه وسلوكه. يعمل على غرس مفاهيم نكران الذات وتجاوز الضغط في الاتجاه الآخر، حواضره ومواجهة نظرية وميدانية ومحاربة الازدواج الفكري والاجتماعي كونه ظاهرة حديثة اجتماعية تقتضي التعامل معها بشكل تجريبي علمي ورؤية فلسفية وتحديد علاقة الخاص بالعام التي تسعى إلى التحليل والتعميم كونها تعد القوة الفاعلة وأهم الشروط التكوينيّة بالصلات الاجتماعيّة.
وترتبط أعمالها بالعمل العقلي والثقافي والقادر على تنوير وصياغة نشر الثقافة والمعرفة بين أبناء المجتمع من خلال مجموعة تتفق على مبدأ وضوابط غايتها خدمة المجتمع.
تتوزع الأدوار مختلفة بين العالِم والمثقف والانتلجنسي من خلال الممارسات المتعددة في المجتمع على أساس متعدد التصورات والعلاقات الاجتماعيّة وتنوعاتها الأنثروبولوجيا، وتحت مظلة انسانيّة تقطف ثمار تواجدها وفاعليتها بين الأفراد والجماعات وما يترتب على أفكارها لتحقيق أعلى مستويات العدالة ونهج المساواة وفق اعتبارات ترسم خطوط الاحترام وتنظيم ملف التجانس لتأكيد دورها الوطني على الأصعدة كافة، معتمداً على حسّه النقدي وتجسير العمل الميداني لكسب ثقة المجتمع.
وقد اختلفت أنماط وتعريفات بعض المفكرين أمثال انطونيو غرامشي الذي أكد مفهوم المثقف العضوي، في حين تناول جون بول سارتر الأدوار والمهام التي يقوم بها المثقف كونه يسعى إلى عمل لم يكلفه به أحد.
من هنا فقد برزت تلك العوامل التي عضدت الدور الفاعل للمثقف في مجالاته كافة، لخلق أواصر معرفيّة وعلاقات مجتمعيّة مثمرة تحقق التطلعات المستقبليّة للمجتمع.