سنان باسم
صمت الفيلم في أوله، لا يختلف عن صمت الحاضرين بقاعة السينما، الأول يجعلك في حيرة مما ستشاهده من جديد لمحمد سعد، والثاني لأن الترجيح سائد في استجداء لمسة كوميديا على مدار الوقت المقبل، ومن زحمة الترجيحات تظهر المشاهد الصامتة، لتزيد الجو ارباكاً في الوصول إلى نهاية السكون اللفظي والوصول إلى أولى الكلمات، ترى ما الذي يخطط له "اللمبي" أو عفواً محمد سعد، أي لعنة أصابت هذا الفنان في رغبة الخروج من عباءة اللمبي، التي باتت سوراً منيعاً لكل عمل يقدم عليه.
يفتتح الفيلم بمشهد مع الشيخ فاروق (رشوان توفيق)، الذي يعظ ممسكاً بذنوب الدشاش، التي نشرها على حبل الغسيل الذي يظهر على شكل (فلاش باك)، في لقطات سريعة تجعلنا نتشبث بخيط بداية الحكاية، من آخر أيامه الماجنة إلى أول أيام الطفولة، وبالفعل تعود القصة إلى صخب النادي الليلي، وعربدة لا متناهية لنسرين أمين (ولعة)، متمايلة بجسدها الراقص على منصة المسرح الممتلئ بالأوراق النقدية الوهمية، لتبدأ الحكاية مع ضبط محمد سعد لإيقاع الدشاش، دون إنفلات الضغط على تفاصيل الشخصية، وكأنه يقول في الفيلم " أعيدوني إلى عالم اللمبي"، وكما هو معلوم، فإن الجمهور يقتنص الزلة الكوميدية عسى أن يضحك من قلبه على رد فعل ابن الكوميديا البار، لكن الأمر يسير بيسر تام والجميع يصاب بالخذلان، حتى وصوله إلى المنزل، فيبدأ مقياس الدراما في الانكسار ولمسة الكوميديا بالتراجع، مع وجود صفاء (زينة) التي تأتي لبيت الدشاش بمعية خالها حارس الفيلا، لتظهر للعيان عوالم الاضطراب والتقاطع بين الدشاش ولبنى (نسرين طافش) التي تكن حقداً دفيناً لزوجها، فهي الزوجة، وابنة تاجر مخدرات كان شريكاً للدشاش، لكنها لم تتخيل كل ذلك، مقارنة مع صورة الأب المثالي المتجذرة في أعماقها، كذلك منى (مريم الجندي)الأخت غير الشقيقة، التي تعاني من سلب حقها في الميراث، ما يجعل التوتر الدرامي يتصاعد قليلاً، حتى الوصول إلى لحظة اشتعال سريع بين الدشاش وعدوه اللدود فهد (باسم سمرة)، العائد من سبات وأعمال هابطة، لا توازي صعوده السليم والمؤثر في ساحة العمل السينمائي والدرامي التلفزيوني، ويبدو أن ثأراً قديماً قد لاح بالأفق القريب، إذ يتصاعد الحوار ويهدأ، ثم الانتقال إلى ولعة التي (ولعت) المسرح حتى تشاجرت مع أحد الزبائن، الأمر الذي يجعل الدشاش ناقماً وغاضباً عليها، لتبدأ نقطة أهم في الفيلم وهي الحالة الصحية من الدوار وقلة السيطرة من قبل الدشاش، هذه التفرعات السردية تزيد من ايقاع الفيلم، فتنطلق المشكلات في اكتشاف وصدمة وحزن وانحسار، وكلها معانٍ ستشكل زوايا الفيلم، ليدخل على الفور الدكتور عوني (خالد الصاوي)، الذي يلعب دوراً مهماً في القصة، وكي لا أحرق مضامين الفيلم على القارئ، سأهتم في خاتمة حديثي بأسلوب التمثيل المتصاعد للفنان الشاب أحمد الرافعي، الذي يلعب دور خطيب شقيقة الدشاش، فضلاً عن وجود الممثلين محسن منصور ومحمد يوسف اللذين يعتبران الذراع المهمة للدشاش في ناديه الليلي وباقي مغامراته، أضف إلى ذلك أن مخرج الفيلم محمد رشيدي، الذي تعامل مع المونتاج والإضاءة بمنتهى الدقة واللمسة اللونية المصححة، التي أضفت للمشاهد مسحة ترويجية عن السياحة داخل مصر، ولا يفوتني أن أتحدث عن الموسيقى التصويرية لأنور عمرو التي دخلت في مواطن مهمة وبشكل مريح، ولكن الأمر لا يخلو من النقد وخاصة مع نهاية الفيلم التي كتبها المؤلف جوزيف فوزي، وهذا الانتقام البسيط الذي لا يليق بزخم الشتائم والرغبة بالانتقام من الطرفين، ناهيك عن التساهل الذي أبداه المؤلف في ايقاع الختام باستسهال النهايات وكأنها (قصص أطفال)، لكني أود الإشارة إلى رؤيتي حول محمد سعد بالخروج من عباءة اللمبي وعوكل وتتح وغيرها من الشخصيات، التي التصقت بمحمد سعد حتى فترة ما قبل "الدشاش"، لكن العقل الباطن إلى اليوم هذا يطمح في عودته إلى باحة الكوميديا، وكأن محمد سعد قد كتبت عليه مأساة "صبح صبح عمي
الحاج ".