نوزاد حسن
كنت محتاراً عن أي موضوع أكتب. أحد أصدقائي قال مع كل هذه المشاكل التي تحيط بنا وأنت لا تعرف عن أي شيء تكتب. أظن أنَّ من حق صديقي وغيره أنْ يستغربوا إنْ شكوت من عدم قدرتي على الكتابة في ظل وضع سياسي غير مستقر. من حقهم أنْ يقولوا ما يقولون لأنهم يعتقدون أنَّ الإنسان الذي لديه القدرة على التعبير عن أفكاره يشبه دجاجة بياضة وظيفتها إنتاج البيض كما أنَّ الكاتب وظيفته ترتيب جمله.
الجميع يظنون أنَّ الحديث عن السياسة أو الكتابة فيها تعني أنَّ الإنسان يقول ما يؤمن به من دون ألم أو انزعاج.
يظن الكثيرون أنَّ قضايا الوطن هي قضايا خارجية تخضع للنقد، مثلاً قضية الساعة التي يدور الحديث عنها وهي ملف التعيينات بالوكالة، فهل يمكن أنْ يكون هذا الموضوع موضوعاً يولد في غرف السياسة دون أنْ يعنيني هذا الأمر، هل يعقل أنْ يجري الكلام عن إنهاء ملف معقد كالدرجات الخاصة وأنا أعيش في غرفتي كمراقب كسول كل مهمتي أنْ أكتب بعض الأسطر عنها من دون أنْ أنفعل.
أنا أريد أنْ أصل الى هذه النقطة، هل أنْ أظل كائناً مراقباً للعبة سياسية بعيداً عن التأثر بتفاصيلها المزعجة، أعني هل يمكن أنْ نتكلم عن الخدمات وكأننا نتكلم عن أشياء نحتمل تأخرها أكثر من ذلك، وهل يجوز لنا نقد المحاصصة على أنها أسلوب همجي في إدارة الدولة من دون أنْ نكون خائفين من همجيتها القاتلة.
ما أودُّ قوله إنَّ الحيرة تأتي من شعورنا بأننا نراقب ما يحصل وكأنه لا يعنينا، إننا نكتفي بنقد كل ما نسمعه ونتناقش بطهر كامل أخطاء السياسة، وعن أهمية الإنسان النزيه، ودور كلمة الحق في المجتمع، نحن نتحدث عن كل ذلك وفي أعماق الكثيرين شعور بالحرمان من الفرص الضائعة، ويتمنى البعض ممن ينتقدون السياسيين لو انهم يتقربون منهم ويعملون معهم.
دعونا الآن من تكرار ازدواجية الفرد العراقي، ولنحاول أنْ نقف قليلاً عند الوظيفة غير الوطنية التي بدأ المثقف يمارسها وأعني بتلك الوظيفة الكلام في السياسة من دون أن نكون قلقين من الداخل على مصير البلد. ولا بدَّ من الإشارة الى أنَّ هناك نسبة جيدة من الناس لا تتحمل هذا الكيد السياسي، ولا تستطيع نسيانه أبداً. أحياناً يقول شخص وضعه المادي جيد إنه غير سعيد مع أنه يملك ما يجعله سعيداً. هذا يعني أنَّ هناك مرضاً سياسياً أصاب هذا الشخص.
السياسيون لا يعرفون شيئاً عن هذا المرض، إنهم يصنعونه يومياً لكنهم لا يصابون به، نحن من نتعرض لبكتريا فقدان السعادة, ولا نعرف ما هي أفضل طرق العلاج منه.
تعيش بكتريا فقدان السعادة كيرقات في صالات السياسيين.. وشيئاً فشيئاً تنمو لها أجنحة لتنتقل إلينا. بعدها نمرض صامتين. ونتحدث بقلق, وانفعال, وحيرة. وفي لحظات الانفعال الشديد يوجه شخص بليد بارد المشاعر هذه النصيحة لنا: البلد انتهى لا فائدة.. لا فائدة.