المنظومة القانونيَّة والحاجة إلى المراجعة

آراء 2025/01/28
...

 زهير كاظم عبود 


القوانين تمثل قاعدة من القواعد التي تحكم المجتمع وتحكم سلوك الافراد وتنظم علاقاتهم، وتكون الدولة هي المسؤولة عن تطبيق هذه القواعد والاسس، وتناط مسؤولية تطبيقها بالقضاء بما ينسجم مع متطلبات العدالة باعتباره السلطة المختصة بهذا الجانب للنظر في المنازعات وفرض الاحكام وإصدار القرارات، وتكون لهذه الأحكام والقرارات صفة الالزام للجميع، ويرسم القانون طرق الطعن بهذه الاحكام والقرارات، ويفترض بالقانون أن يكون ملبيا لحاجة المجتمع وظروفه، يعكس إرادة الشعب باعتبار ان هذه القوانين تعبر عن طبيعة النظام السياسي للعراق على أساس الدولة الاتحادية المستقلة المتكونة من السلطات الثلاث.

ولأن اغلب القوانين التي صدرت في ظل الأنظمة السابقة تعبر عن طبيعة تلك الأنظمة، فلم تعد ملبية ومنسجمة مع واقعنا الحالي، ويتعارض العديد منها مع الدستور العراقي، ولان التطور سمة من سمات العصر، وحتى يتم تدقيق تلك القوانين التي أشبعت تعديلات واضافات، ما يستوجب أن تهتم الدولة وعلى رأسها السلطة القضائية والجهات المختصة والشخصيات القانونية من المحامين والقضاة، اهتماما من خلال مؤتمر قانوني وقضائي لمراجعة تلك القوانين، وبما تنسجم مع الحقوق المدنية والسياسية والحريات التي نص عليها الدستور. 

قانون العقوبات العراقي صدر في العام ١٩٦٩ وتم تعديله عشرات المرات، وقانون أصول المحاكمات الجزائية صدر في العام ١٩٧١ وتم تعديله عشرات المرات، وقانون المرافعات المدنية صدر في العام ١٩٦٩ وتم تعديله عشرات المرات، وحصل الشيء نفسه في بقية القوانين، وهذا الامر يتطلب المراجعة والتدقيق والذي لن يكون إلا من خلال مؤتمر قانوني يقوم بتشخيص الخلل في النصوص القانونية التي يمكن التوصية بحذفها أو ابدالها أو إصلاحها، وجمع القانون بمتن واحد، وان يتم تفعيل بعض النصوص التي تدعم قضية الحقوق والحريات، والتنسيق مع جميع الجهات القانونية من أجل مستقبل يضمن للعراقي هذه الحقوق والحريات، ويفتح المجال لخلق قواعد قانونية تتناسب مع تطلعات العراقيين لبناء دولة يسودها القانون ويحكمها الدستور ويتم تطبيق العدالة على أبنائها بشكل متساوٍ أمام القانون.

وبالنظر لكثرة التعديلات والاضافات التي جرت في ظل الأنظمة السابقة، ما يجعل عملية التطبيق القانوني السليم مربكة وغير سهلة، وحتى يمكن أن يستعيد القضاء العراقي مكانته التي تميز بها بين قضاء المنطقة، وبما يشهد له بالتميز والعراقة والرصانة والشجاعة، فإن المؤتمر القانوني الذي يطمح له كل رجل قانون سيكون الباب الذي يفتح للعدالة متنفسا وللحقوق منفذا للانطلاق نحو التمسك بسلطة القضاء المستقلة.

المتغيرات الكبيرة التي حصلت على المجتمع العراقي توجب النظر بجدية للقوانين التي تحكم علاقات الافراد، وعلاقة الافراد بالدولة، وامام التغير الحاصل في العلاقات الاجتماعية ومصادقة العراق على معاهدات واتفاقيات دولية، فان الامر يوجب ان تكون مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات ملزمة ويتضمنها القانون العراقي، وبما تمليه عليه الالتزامات الدولية، بالإضافة إلى القصور في عدم وجود بعض النصوص التي تحكم الجرائم الدولية وأساليب مكافحة الإرهاب والفساد، والاخذ بنظام البدائل في العقوبات كبديل عن التدابير التي تسلب الحرية وتكبد الدولة خسائر مادية، والتركيز على تعويض امن يتقرر الافراج عنهم أو براءتهم ممن يتم حرمانهم من حرياتهم واعمالهم بعد اخلاء سبيلهم، وكلنا ثقة من أن مؤتمرا رصينا بأشراف مجلس القضاء الأعلى وبمشاركة الحكومة يحقق لنا الضمانات القانونية والقضائية التي يحتاجها المواطن قبل ان يحتاجها القانوني والقضاة بشكل خاص.