هاليفي واستقالة الاعتراف بالفشل.. قراءة في تداعيات هزيمة 7 أكتوبر

آراء 2025/01/28
...

 محمد علي الحيدري


في خطوة مثقلة بالرمزية والمسؤولية أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي استقالته بعد وصفه ما حدث في 7 أكتوبر، بأنه فشل تاريخي سيبقى وصمة ترافقه طوال حياته. جاءت كلماته في خطاب متلفز يعكس واقعا مأزوما داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية محملا بشحنة من الاعترافات النادرة عن ضعف الاستخبارات والجيش الإسرائيلي أمام هجوم أربك حسابات تل أبيب السياسية والأمنية.

إنكار هاليفي لعلم الجيش أو الاستخبارات المسبق بالهجوم يكشف عن ثغرات خطيرة في منظومة الردع الإسرائيلية التي لطالما تباهت بقدرتها على قراءة التحركات المعادية قبل وقوعها. فالهجوم الذي وصف بأنه الأضخم والأعنف منذ عقود بدا وكأنه فصل جديد من المفاجآت التي تعصف بمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي. هذا المفهوم الذي تأسس على فكرة الاستباق ومنع أي تهديد يقترب من الحدود تلقى ضربة قاسية أظهرت حدود قدرته على التكيف مع تعقيدات المقاومة الفلسطينية وأساليبها المتجددة.

لكن الأبعاد الأعمق لاستقالة هاليفي تكمن في رمزية الإقرار بفشل الدولة العبرية ليس فقط في منع الهجوم بل في احتواء تبعاته سياسيا وشعبيا. لقد أزاح هذا الحدث الستار عن أزمات داخلية تتجاوز المستوى العسكري لتصل إلى الانقسامات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي. هذه الانقسامات برزت بوضوح في تقاذف المسؤوليات بين القيادة العسكرية والسياسية مما يعكس أزمة ثقة متصاعدة بين مختلف مؤسسات الدولة والجمهور الإسرائيلي الذي بات يشكك في قدرة قيادته على حمايته.

تصريحات هاليفي تحمل رسالة مزدوجة. الأولى هي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي عبر تحميل نفسه مسؤولية شخصية عن الفشل والثانية هي انتقاد مبطن للقيادة السياسية، التي طالما فرضت أولوياتها على المؤسسة العسكرية. فخطابه لم يخل من تلميحات إلى أن الجيش الإسرائيلي واجه قيودا لم تسمح له بالاستعداد الكامل لمثل هذه السيناريوهات.

الهجوم الفلسطيني في 7 أكتوبر كشف عن فهم عميق لدى المقاومة الفلسطينية لنقاط ضعف إسرائيل ليس فقط من حيث قدرتها على تجاوز الحدود بل أيضا في كيفية استغلال حالة الاستقطاب السياسي والأزمات الداخلية. ولعل أبرز ما يثير القلق في خطاب هاليفي هو غياب الوضوح بشأن الخطوات القادمة. فالإقرار بالفشل دون تقديم رؤية استراتيجية لإعادة بناء الردع قد يفتح الباب أمام المزيد من الهجمات ويعزز شعور القوى المعادية لإسرائيل بأن لحظة ضعفها التاريخية قد بدأت.

رحيل هاليفي ليس نهاية الأزمة بل هو بداية لموجة من المراجعات الداخلية والخارجية التي قد تعيد تشكيل العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وبينما تحاول الحكومة الإسرائيلية احتواء تداعيات هذا الحدث يبقى السؤال الأهم. هل ستتمكن من استعادة ثقة جمهورها وإعادة بناء صورتها الردعية أم أن 7 أكتوبر سيصبح بداية لانهيار أطول مدى في المنظومة التي طالما تباهت بتفوقها.