باكو : يارا محمود
تُعد مدينة باكو، عاصمة جمهورية أذربيجان، واحدة من أبرز المدن التي تجمع بين الحداثة والتراث العريق، حيث تجسد المباني فيها مزيجاً من الأساليب المعمارية المختلفة، التي تُظهر تأثيرات ثقافية وتاريخية متنوعة. من بين أبرز ملامح هذه المدينة، تبرز الفسيفساء كفن معماري يعكس التفاعل بين الشرق والغرب، ويعبر عن تاريخ المدينة العريق وأهميتها الثقافية، إذ تعد الفسيفساء من أقدم أشكال الفن المعماري والزخرفي التي استخدمها الإنسان عبر العصور وقد دخلت هذه التقنية إلى باكو في العصور الإسلامية، متأثرة بالحضارات الفارسية والعثمانية، حيث كانت تستخدم لتزيين المساجد والقصور، ثم انتشرت في الحقبة السوفييتية في العديد من المباني العامة والشوارع. في تلك الحقبة، أُعطيت الفسيفساء أبعاداً جديدة، حيث كانت تستخدم كأداة للتعبير عن المبادئ السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى كونها وسيلة لعرض الفنون السوفييتية، لا تقتصر الفسيفساء على تزيين الأبنية الحكومية أو الدينية، بل تنتشر أيضاً في الأزقة والشوارع، حيث يتم استخدام هذه التقنية لتجميل الواجهات وإضفاء طابع فني مميز على المدينة. على مر السنوات، تعرضت العديد من الفسيفساء في باكو لأضرار نتيجة عوامل الزمن والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى التعديلات العمرانية التي جرت على المدينة. ولهذا السبب، بدأ مشروع ترميم الفسيفساء في أذربيجان في العقدين الأخيرين، بهدف الحفاظ على هذا الفن الثقافي الثمين، المشروع يهدف إلى إعادة الحياة إلى هذه الأعمال الفنية التاريخية، وإعادة ترميمها باستخدام تقنيات حديثة تضمن المحافظة على الأصالة والجمالية. كما يتضمن المشروع التعاون بين الحكومة الأذربيجانية والمنظمات الثقافية الدولية، بالإضافة إلى المتخصصين في فنون الفسيفساء الذين يعملون على ترميم القطع الفسيفسائية في المواقع التاريخية المهمة. وقد شهد المشروع ترميم العديد من الأعمال الفنية في مختلف أنحاء باكو، حيث تمت إعادة تركيب العديد من الأجزاء المفقودة واستبدال القطع المتضررة، و أبرز المبادرات التي تم تنفيذها في إطار هذا المشروع هي ترميم الفسيفساء في مبنى متحف باكو للتاريخ، الذي يحتوي على مجموعة من الفسيفساء التي تعود إلى عصور قديمة.