مقترح سياسي أم تجاري؟

آراء 2025/01/30
...

 نرمين المفتي 


اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل الأردن ومصر، كحل للأزمة (الإنسانية في غزة)، وقال إنهم سيظلون بعيدين عن غزة لمدة قصيرة أو طويلة. 

إذ وصفت بعض الصحف العربية بأن المقترح حل (إنساني) فإن صحفا غربية مهمة وواسعة الانتشار اشارت اليه كتطهير عرقي، كما جاء في عنوان رئيس في الغارديان اللندنية بأن"مقترح ترامب لغزة رُفض من قبل الحلفاء وادين كخطة تطهير عرقي". 

فقد رفضت الأردن ومصر هذا الاقتراح بشكل قاطع. إذ أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن رفض بلاده للمقترح، مؤكدًا تمسك الأردن بحل الدولتين ورفض أي حلول تتضمن تهجير الفلسطينيين إلى المملكة. من جانبه، أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن مصر ترفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، مشددًا على أن مثل هذه الخطط تشكل تهديدًا لاستقرار المنطقة. 

ونقلت الصحف الغربية ردود فعل المنظمات الحقوقية والدولية التي اعتبرت أن هذا المقترح يرقى إلى مستوى "التطهير العرقي"، حيث إن التهجير القسري للسكان يُعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. ورفض الغزيون المقترح كان صارخا من خلال عشرات الآلاف ساروا على أقدامهم أكثر من سبعة كيلومترات في شارع الرشيد في فجر يوم الاثنين الماضي متوجهين من مخيماتهم في الجنوب للوصول إلى الحاجز الأمني، ومن ثم السير أكثر من عشرين كيلومترا للوصول إلى بيوتهم المهدمة في مدينة غزة وشمالها. كما أدانت السلطة الفلسطينية هذا المقترح، معتبرة إياه استمرارًا للسياسات الأمريكية المنحازة للكيان الصهيوني، ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ووجهت الدكتورة حنان عشراوي، السياسية سابقا والأستاذة في جامعة بير زيت، ملاحظاتها إلى ترامب من خلال منصة (X) قائلة "ملاحظة للرئيس ترامب: فلسطين، بما في ذلك غزة والضفة الغربية والقدس، هي أرض الشعب الفلسطيني؛ إنها المكان الذي يعيشون فيها وينتمون إليها. 

إنهم ليسوا بيادق في لعبة شطرنج. إن تطهيرهم عرقيًا ليس فقط عملاً غير إنساني وجريمة حرب، بل إنه يشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة بأكملها وسيادة الدول المجاورة. بهذه الطريقة تبدأ الحروب، ولن تنهيها." وأصدر الدكتور بشارة بهاء، الأمريكي من أصل فلسطيني، رئيس منظمة (الأمريكان العرب لأجل ترامب) بيانا أدان به بشدة المقترح وأكد أن التسوية الوحيدة في حل الدولتين ودعاه إلى إعادة إعمار غزة كخطورة نحو دولة فلسطينية. الطرف الوحيد الذي رحب بهذا المقترح هو الكيان، ومن خلال تصريحات المتطرفين فيه، علما بأن السلطات الصهيونية تحاول منذ عقود إخلاء غزة من اهلها والسيطرة عليها، وكان بنيامين نتنياهو قد اشار في الفصل التاسع وبعنوان "سلام دائم" في (مكان بين الأمم) في 1994، إلى وجوب تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية واينما كانوا في فلسطين المحتلة، لان هذه الأراضي كلها (ارض الميعاد) التي سكنها "اجدادهم" وان على الدول العربية ان تعيد توطين الفلسطينيين في أراضيها. والسؤال الان هو هل كان ترامب جادا وهو يشير إلى مقترحه امام الصحفيين؟

بدءا أن مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة ليس وليد يوم الاحد الماضي، انما كان واحدا من اهم نقاط (صفقة القرن) التي خطط لها صهره جاريد كوشنر حين كان مستشاره السياسي في ولايته الاولى، والتي فشلت في اول اعلان رسمي عنه في البحرين في حزيران 2019 سواء من قبل بعض الحاضرين لما وصف بـ (ورشة البحرين) او من قبل الفلسطينيين في اليوم التالي لاعلانها ومن ثم في شباط 2020 من قبل الجامعة العربية. والمعروف ان كوشنر مثل ترامب يعمل في العقارات وتطويرها، ويبحث عن مواقع لمشاريع تجلب الاموال، وكان ترامب قد وصف غزة بعد دخوله إلى البيت الأبيض للمرة الثانية بأنها "مثيرة للاهتمام فموقعها استثنائي على البحر وطقس رائع ويمكن القيام بأعمال رائعة فيها"! 

وإذا كان المقترح سياسيا أو تجاريا، فإن بعض المحللين يرونه يفتقر إلى الواقعية والمسؤولية، وسيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر. 

كما أن تاريخ النزاع الفلسطيني-الصهيوني مليء بمحاولات تهجير سابقة لم تؤدِ إلا إلى تعميق الأزمة وتعقيدها، ويؤكدون أن الحل الأمثل هو البحث عن تسوية سلمية عادلة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتؤسس لهم دولتهم.