طهران وواشنطن.. لا سجادة حمراء وهي بحاجة لمقاربات جديدة

آراء 2025/02/03
...

 محمد صالح صدقيان 

يتطلع المشهد الإيراني ومعه الإقليمي لمآلات العلاقة بين طهران وواشنطن بعد دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للبيت الأبيض، لما لهذه العلاقة من أهمية وانعكاسات ليس علی الواقع الإيراني، وإنما علی أمن استقرار الشرق الأوسط.

اصطف إلى جانب النظرية التي تقول إن توصل الدول الغربية مع ايران لاتفاق بشأن ملفاتها المتعددة والشائكة يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة؛ وطالبت بعدم الاستخفاف بالقدرات الإيرانية وقدراتها الجيوسياسية؛ ربما تكون أوراقها قد ضعفت راهنا علی خلفية التطورات في لبنان وسوري؛ لكن هذا لا يعني التخلي عن الاستمرار معها في تعزيز الأمن والاستقرار المطلوب في المنطقة. إن دول المنطقة هي دول تحتم عليها قواعد الجغرافيا والتاريخ أن تتعايش في مابينها مهما اخلتفت الآراء والنظرات والتصورات. إن الاتفاق النووي الذي اقدمت عليه ادارة الرئيس الامريكي الاسبق باراك أوباما استطاع "أو حاول" تقليل التهديدات الموجهة لإيران وتعزيز الثقة بين الجانبين، ولذلك كنا ننظر لضوء في آخر النفق يشي إلى أن الامور تسير باتجاه تعزيز الثقة المنهارة بين البلدين؛ إلا أن الرئيس ترامب الذي دخل البيت الابيض اعتبر "الاتفاق النووي" الذي وقعت عليه ادارة الرئيس السابق باراك أوباما مع ايران "سيئ". واستنادا علی ذلك انسحب من هذا الاتفاق، مخلفا وراءه كثيرا من الخسائر علی حساب الأرباح، التي ربما كانت تتحقق ما دام يزن ذلك بميزان الربح والخسارة. هذا الميزان لم يحقق حتی لإسرائيل التي من أجلها انسحب ترامب من الاتفاق الربح المنشود. واذا كان الرئيس ترامب – وهذا ما تقوله مصادر امريكية – يختلف في عهده الجديد عن العهد القديم لأنه تعلم كثيرا من الاحداث التطورات، فإن أمامه فرصة لاعادة النظر بحساب الربح والخسارة في التعاطي مع الملف الإيراني الشائك والمعقد والمتعب. ويبدو لي أن الرئيس ترامب يستطيع ذلك من خلال "الصفقة الكبری"، التي يتحدث عنها عديد المراقبين والمهتمين بالسياسيات، التي يتخذها لحل ملفات الحرب والتأزيم، التي ليست قليلة في العالم بما في ذلك الشرق الأوسط. 

يقول الإيرانيون إنهم مستعدون للدخول بهكذا صفقة علی أن تكون مجدية وجادة تقوم علی أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعلی قاعدة رابح رابح. 

واستنادا علی ذلك استحدثت الرئاسة الإيرانية منصبا جديدا وضعته لمهندس "الاتفاق النووي" محمد جواد ظريف، وهو المعاون الاستراتيجي للرئاسة يساعده في ذلك وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي كان كبير المفاوضين في اتفاق عام 2015.  يقول الإيرانيون ايضا إن ظريف، وبالرغم من المعارضة القاسية، التي يتلقاها من الاوساط المتشددة في الداخل الإيراني، إلا أنه يحظی بموافقة القيادة الإيرانية وبرضاها؛ وهو يتحرك بسقف أوجده مكتب المرشد الإيراني الاعلی، من خلال العلاقة الجيدة التي تربط ظريف مع نجل المرشد مجتبی، الذي أوقف دورسه الحوزوية في مدينة قم منذ الموسم الدراسي الماضي، ليتفرغ في العمل بطهران بأعمال لم يتم الافصاح عنها، لكنها بالتأكيد لن تكون بعيدة عن التطورات الداخلية الإيرانية. 

الأمر الآخر الذي تتناقله طهران هو "خلية العمل" التي شكلها ظريف لدراسة وإدارة المفاوضات والتطورات المحتملة وكواليسها، حيث تستند هذه الخلية علی شخصيات مهمة قريبة من مكتب المرشد الاعلی امثال علي اكبر ولايتي مستشار المرشد للشؤون الخارجية ؛ وكمال خرازي رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، إضافة إلى عدد آخر من الشخصيات السياسية الإيرانية الدبلوماسية والأكاديمية.  وهناك نقطة آخری تتحدث بها بعض الأوساط الإيرانية بضرس قاطع عن بدء مسار المفاوضات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لكن مصادر الخارجية الإيرانية تنفي ذلك وتنفي أن يكون جواد ظريف قد التقی مسؤولين أمريكيين علی هامش مشاركته في أعمال منتدی دافوس نهاية الشهر الماضي علی خلاف ما تؤكده المعارضة للحكومة الإيرانية.

في المقابل تتحدث المعلومات الامريكية عن تكليف الرئيس الامريكي دونالد ترامب لمبعوثه للشرق الاوسط ستيف ويتكوف التعامل مع ملف ايران في ما نشرت مصادر صحفية امريكية معلومات عن نية الرئيس ترامب بتعيين مستشار البيت الابيض للامن القومي بالوكالة سابقا ريتشارد غرينيل مبعوثا خاصا لايران. ولمح مساعدو ترامب اخيرا إلى إبقاء الطريق مفتوحة لتجنب المواجهة مع ايران. وقال بعضهم لدبلوماسيين أجانب أنهم يتوقعون أن يقود ويتكوف الجهود لمعرفة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى تسوية دبلوماسية.

ويسود الاعتقاد إلى أن صورة المشهد الأمريكي حيال ايران يكتنفها الغموض لأن هذه الصورة، لا تزال في حال تغير لكن بعض التعيينات تعطي جانبا من هذه الصورة أمثال تعيين مايكل ديمينو مسؤولا جديدا لشؤون الشرق الاوسط في وزارة الدفاع "البنتاغون"، الذي دعا إلى ضبط النفس في التعامل مع ايران ؛ في حين حذر المرشح لمنصب وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية البريدج كولمبي من اي عمل عسكري ضد ايران. وبطبيعة الحال فإن مواقف هؤلاء لا تتسق تماما مع مواقف مستشار الامن القومي مايك والتز، وكذلك وزير الخارجية ماركو روبيو الذي أعلن أنه يؤيد "أي ترتيب يسمح لنا بالتمتع بالسلامة والاستقرار في المنطقة". في مثل هذه الأجواء لا يبدو أن المفاوضات بين طهران وواشنطن تسير علی السجادة الحمراء، لكنها تستطيع أن تخلق مقاربات جديدة في إطار "الصفقة الكبری"، التي تنتظرها جميع الأطراف، والتي تستطيع أن تضع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط علی مسار جديد من خلال خطوات يتخذها الجانبان لتعزيز الثقة المطلوبة.